مصداق ذلك، وهو ورود هولاكو وإزالته ملك بني العباس.
الدولة الإسلامية بعد بني العباس
ذكر الوقعة بين المغيث صاحب الكرك وعسكر مصر
كان قد انضمت البحرية إلى المغيث ابن العادل ابن الكامل، ونزل من الكرك وخيم بغزة، وجمع الجموع، وسار إلى مصر في دست السلطنة، وخرجت عساكر مصر مع مماليك الملك المعز أيبك، وأكبرهم سيف الدين قطز، الذي صار صاحب مصر، والغتمي وبهادر، والتقى الفريقان، فكانت الكسرة على المغيث ومن معه، فولى منهزماً إلى الكرك في أسوأ حال، ونهبت أثقاله ودهليزه.
[ذكر وفاة الناصر داود]
وفي هذه السنة، أعني سنة ست وخمسين وستمائة، في ليلة السبت السادس والعشرين من جمادى الأولى، توفي الملك الناصر داود ابن الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر ابن أيوب، بظاهر دمشق، في قرية يقال لها البويضا، ومولده سنة ثلاث وستمائة، فكان عمره نحو ثلاث وخمسين سنة، وكنا قد ذكرنا أخباره في سنة خمس وخمسين، وأنه توجه إلى تيه بني إسرائيل، وصار مع عرب تلك البلاد وبلغ المغيث صاحب الكرك وصوله إلى تلك الجهة، فخشي منه، وأرسل إليه فقبض عليه، وحمله إلى بلد الشوبك، وأمر بحفر مطمورة ليحبسه فيها، وبقي الملك الناصر المذكور ممسوكاً، والمطمورة تحفر قدامه ليحبس فيها، فبينما هو على تلك الحال، إذ ورد رسول الخليفة المستعصم يطلبه من بغداد، لما قصده التتر، ليقدمه على بعض العساكر لملتقى التتر، فلما ورد رسول الخليفة إلى دمشق، جهزوه إلى المغيث صاحب الكرك، ووصل الرسول إلى موضع الملك الناصر قبل أن يتم المطمورة، فأخذه وسار به إلى جهة دمشق، فبلغ الرسول استيلاء التتر على بغداد، وقتل الخليفة، فتركه الرسول ومضى لشأنه، فسار الناصر داود إلى البويضا، وهي قرية شرقي دمشق، وأقام بها، ولحق الناس في الشام في تلك المدة طاعون، مات منه الناصر داود المذكور في التاريخ المذكور، وخرج الملك الناصر يوسف صاحب دمشق إلى البويضا، وأظهر عليه الحزن، والتأسف، ونقله ودفنه بالصالحية في تربة والده المعظم، وكان الناصر داود فاضلاً ناظماً ناثراً، وقرأ العلوم العقلية على الشيخ شمس الدين عبد الحميد الخسروشاهي، تلميذ الإمام فخر الدين الرازي، وللناصر داود المذكور أشعار جيدة، قد تقدم ذكر بعضها، ومن شعره أيضاً:
عيون عن السحر المبين تبين ... لها عند تحريك القلوب سكون
تصول ببيض وهي سود فرندها ... ذبول فتور والمجفون جفون
إذا ما رأت قلباً خلياً من الهوى ... تقول له كن مغرماً فيكون