أبي الفرج ابن الجوزي، وكان واعظاً وله قبول عند الناس، فأمره الناصر داود بعمل مجلس وعظ، يذكر فيه فضائل بيت المقدس، وما حل بالمسلمين من تسليمه إلى الفرنج، ففعل ذلك، وكان مجلساً عظيماً، ومن جملة ما أنشد قصيدة تائية ضمنها بيت دعبل الخزاعي وهو:
مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات
فارتفع بكاء الناس وضجيجهم.
ذكر انتزاع دمشق ولما عقد الملك الكامل الهدنة مع الإمبراطور، وخلا سره من جهة الفرنج، سار إلى دمشق، ووصل إليها في جمادى الأولى من هذه السنة، واشتد الحصار على دمشق، ووصل إلى الملك الكامل رسول الملك العزيز صاحب حلب، وخطب بنت الملك الكامل، فزوجه بنته فاطمة خاتون، التي هي من الست السوداء أم ولده أبي بكر العادل ابن الملك الكامل، ثم استولى الملك الكامل على دمشق، وعوض الناصر داود عنها بالكرك والبلقاء والصلت والأغوار والشوبك، وأخذ الملك الكامل لنفسه البلاد الشرقية التي كانت عينت للناصر، وهي حران والرها وغيرهما، التي كانت بيد الملك الأشرف، ثم نزل الناصر داود عن الشوبك، وسأل عمه الكامل في قبولها فقبلها، وتسلم دمشق الملك الأشرف، وتسلم الكامل من الأشرف البلاد الشرقية المذكورة.
ذكر وفاة الملك المسعود
[صاحب اليمن ابن الملك الكامل ابن الملك العادل بن أيوب:]
في هذه السنة توفي الملك المسعود يوسف، الملقب أطسز، المعروف باقسيس. وكان قد مرض باليمن، فكره المقام بها وعزم على مفارقة اليمن، وسار إلى مكة وهي له كما تقدم ذكره، فتوفي بمكة ودفن بالمعلى، وعمره ست وعشرون سنة، وكانت مدة ملكه اليمن أربع عشرة سنة، وكان الملك المسعود لما سار من اليمن، قد استخلف على اليمن علي بن رسلول، وسنذكر بقية أخباره إن شاء الله تعالى، ووصل الخبر بوفاة الملك المسعود إلى أبيه الملك الكامل، وهو على حصار دمشق، فجلس للعزاء، وخلف الملك المسعود ولداً صغيراً اسمه أيضاً يوسف، وبقي يوسف المذكور حتى مات في سلطنة عمه الملك الصالح أيوب صاحب مصر، وخلف يوسف ولداً صغيراً اسمه موسى، ولقب الملك الأشرف وهو الذي أقامه الترك في مملكة مصر بعد قتل الملك المعظم ابن الملك الصالح أيوب ابن الملك الكامل، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.