في هذه السنة ثاني ذي القعدة، توفي المستضيء بأمر الله أبو محمد الحسن بن يوسف المستنجد، وأمه أم ولد أرمنية، وكانت خلافته نحو تسع سنين وسبعة أشهر. وكان مولده سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وكان عادلاً حسن السيرة، وكان قد حكم في دولة ظهير الدين أبو بكر منصور بن نصر، المعروف بابن العطار، بعد قتل عضد الدين الوزير، فلما مات المستضيء، قام ظهير الدين بن العطار، وأخذ البيعة لولده، الإمام الناصر لدين الله، ولما استقرت البيعة للإمام الناصر، حكم أستاذ الدار مجد الدين أبو الفضل، فقبض في سابع ذي القعدة على ظهير الدين بن العطار، ونقل إلى التاج، وأخرج ظهير الدين المذكور ميتاً على رأس حمال، ليلة الأربعاء، ثاني عشر ذي القعدة، فثارت به العامة، والقوه عن رأس الحمال، وشدوا في ذكره حبلاً وسحبوه في البلد، وكانوا يضعون في يده مغرفة، يعني أنها قلم، وقد غمس تلك المغرفة في العذرة، ويقولون وقع لنا يا مولانا، هذا فعلهم به، مع حسن سيرته فيهم، وكفه عن أموالهم، ثم خلص منهم ودفن.
وفي هذه السنة في ذي القعدة، نزل توران شاه أخو السلطان عن بعلبك، وطلب عوضها الإسكندرية، فأجابه السلطان صلاح الدين إلى ذلك، وأقطع بعلبك لعز الدين فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب، فسار إليها فرخشاه، وسار شمس الدولة توران شاه إلى الإسكندرية، وأقام بها إلى ن مات بها.
ثم دخلت سنة ست وسبعين وخمسمائة.
ذكر وفاة سيف الدين صاحب الموصل
في هذه السنة ثالث صفر، توفي سيف الدين غازي بن مودود بن زنكي بن أقسنقر، صاحب الموصل، والديار الجزرية، وكان مرضه السل، وطال، وكان عمره نحو ثلاثين سنة، وكانت ولايته عشر سنين ونحو ثلاثة شهر، وكان حسن الصورة مليح الشباب، تام القامة أبيض اللون، عاقلاً عادلاً، عفيفاً شديد الغيرة، لا يدخل بيته غير الخدم إذا كانوا صغاراً، فإذا كبر أحدهم منعه، وكان عفيفاً عن أموال الرعية، مع شح كان فيه، وحين حضره الموت، أوصى بالمملكة بعده إلى أخيه عز الدين مسعود بن مودود، وأعطى جزيرة ابن عمر وقلاعها لولده سنجرشاه بن غازي، فاستقر ذلك بعد موته حسبما قرره، وكان مدير الدولة والحاكم فيها مجاهد الدين قيماز.
وفي هذه السنة، سار السلطان صلاح الدين إلى جهة قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان، صاحب بلاد الروم، ووصل إلى رعبان، ثم اصطلحوا. فقصد صلاح الدين بلاد ابن ليون الأرمني، وشن فيها الغارات، فصالحه ابن ليون على مال حمله، وأسرى أطلقهم.