وتمكن، ولم يكن للخليفة الظافر معه حكم، وبقي العادل كذلك إلى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، فقتله ربيبه عباس المذكور وتولى الوزارة على ما سنذكره.
[ذكر غير ذلك من الحوادث:]
وفي هذه السنة حصر نور الدين محمود بن زنكي حصن حارم، فجمع البرنس صاحب أنطاكية الفرنج وسار إلى نور الدين، واقتتلوا، فانتصر نور الدين وقتل البرنس، وانهزم الفرنج، وكثر القتل فيهم، ولما قتل البرنس، ملك بعده ابنه بيمند وهو طفل، وتزوجت أمه برجل آخر، وتسمى بالبرنس. ثم إن نور الدين غزاهم غزوة أخرى، فهزمهم وقتل فيهم وأسر، وكان فيمن أسر البرنس الثاني زوج أم بيمند، فتمكن بيمند في ملك أنطاكية.
وفيها زلزلت الأرض زلزلة شديدة. وفيها توفي معين الدين أنز، صاحب دمشق، وهو الذي كان إليه الحكم فيها، وإليه ينسب قصير معين الدين الذي في الغور.
وفيها تولى أبو المظفر يحيى بن هبيرة وزارة الخليفة المقتفي، يوم الأربعاء، رابع ربيع الآخر، وكان قبل ذلك صاحب ديوان الزمام. وفيها توفي القاضي ناصح الدين الأرجاني، وأرجان من أعمال تستر، وتولى المذكور قضاء تستر، واسمه أحمد بن محمد بن الحسين، وله الشعر الفائق، فمن ذلك قوله:
ولما بلوت الناس أطلب عندهم ... أخاً ثقة عند اعتراض الشدائد
تطلعت في حالي رخاء وشدة ... وناديت في الأحياء هل من مساعد
فلم أر فيما ساءني غير شامت ... ولم أر فيما سرني غير حاسد
تمتعتما يا ناظري بنظرة ... وأوردتما قلبي أمر الموارد
أعيني كفا عن فؤادي فإنه ... من البغي سعي اثنين في قتل واحد
وفيها توفي بمراكش، القاضي عياض بن موسى بن عياض السبتي، ومولده بها في سنة ست وسبعين وأربعمائة أحد الأئمة الحفاظ الفقهاء المحدثين الأدباء، وتكيفه وأشعاره شاهدة بذلك، ومن تصانيفه: الإجمال في شرح كتاب مسلم. ومشارق الأنوار في تفسير غريب الحديث.
ثم دخلت سنة خمس وأربعين وخمسمائة في هذه السنة رابع عشر المحرم، أخذت العرب جميع الحجاج بين مكة والمدينة، ذكر أن اسم ذلك المكان الغرابي، فهلك أكثرهم، ولم يصل منهم إلى البلاد إلا القليل. وفيها سار نور الدين محمود بن زنكي إلى أفامية، وحصر قلعتها وتسلمها من الفرنج، وحصنها بالرجال والذخائر، وكان قد اجتمع الفرنج وساروا ليرحلوه عنها، فملكها قبل وصولهم، فلما بلغهم فتحها تفرقوا.
وفيها سار الأذفونش صاحب طليطلة بجموع الفرنج إلى قرطبة وحصرها ثلاث أشهر، ثم رحل عنها ولم يملكها. وفيها مات الأمير علي بن دبيس بن صدقة صاحب الحلة.
ثم دخلت سنة ست وأربعين وخمسمائة.