وفي هذه السنة عاودت التتر قصد الشام، وساروا إلى الفرات، وأقاموا عليها مدة في أزوارها، وصارت منهم طائفة، تقدر عشرة آلاف فارس، وأغاروا على القريتين وتلك النواحي، وكانت العساكر قد اجتمعت بحماة عند زين الدين كتبغا النائب بحماة، الملقب بالملك العادل، وكان مريضاً من حين عاد من بلاد سيس، كما تقدم ذكره، واسترخت أعضاؤه، فلما اجتمعت العساكر عنده، وقع الاتفاق على إرسال جماعة من العسكر، إلى التتر الذين أغاروا على القريتين، فجردوا أسندمر الكرجي نائب السلطنة بالساحل، وجردوا صحبته جماعة من عسكر حلب، وجماعة من عسكر حماة، وجردوني أيضاً من جملتهم، فسرنا من حماه سابع شعبان من هذه السنة، واتقعنا مع التتر على موضع يقال له الكرم، قريباً من عرض، واقتتلنا معهم يوم السبت عاشر شعبان من هذه السنة، الموافق لسلخ آذار، وصبر الفريقان، ثم نصر الله المسلمين وولى التتر منهزمين، وترحل منهم جماعة كثيرة عن خيلهم، وأحاط المسلمون بهم بعد فراغهم من الوقعة، وبذلوا لهم الأمان فلم يقبلوا، وقاتلوا بالنشاب، وعملوا سروج الخيل ستائر لهم، وناوشهم العسكر القتال، من الضحى إلى انفراك الظهر، ثم حملوا عليهم فقتلوهم عن آخرهم، وكان هذا النصر عنوان النصر الثاني على ما نذكره، ثم عدنا مؤيدين منصورين، ووصلنا إلى حماة يوم الثلاثاء ثالث عشر شعبان المذكور، الموافق لثاني نيسان.
[ذكر المصاف الثاني والنصرة العظيمة]
وفي هذه السنة، سار التتر بجموعهم العظيمة، صحبة قطلوشاه نائب قزان، بعد كسرتهم على الكوم، ووصلوا إلى حماة، فاندفعت العساكر الذين كانوا بها بين أيديهم، وسار زين الدين كتبغا في محفة، وأخرني بحماة لكشف التتر، فوصل التتر إلى حماة في يوم الجمعة الثالث والعشرين من شعبان من هذه السنة، فلما شاهدت جموعهم ونزولهم بظاهر حماة، وكنت واقفاً على العليليات، سرت من وقتي ولحقت زين الدين كتبغا بالقطيفة، وأعلمته بالحال، وسارت العساكر الإسلامية إلى دمشق، ووصلت أوائل العساكر الإسلامية من ديار مصر صحبة بيبرس الجاشنكير، واجتمعوا بمرج الزنبقية بظاهر دمشق، ثم ساروا إلى مرج الصفر لما قاربهم التتر، وبقي العسكر منتظرين وصول السلطان الأعظم الملك الناصر، وسارت التتر وعبروا على دمشق طالبين العسكر، ووصلوا إليهم عند شقحب بطرف مرج الصفر، واتفق أن ساعة وصول التتر إلى الجيش، وصل مولانا السلطان بباقي العساكر الإسلامية، والتقى فريقان بعد العصر من نهار السبت، ثاني رمضان من هذه السنة، أعني سنة اثنتين سبعمائة، وكان ذلك في العشرين من نيسان، واشتد القتال