ثأرت عمك الفاكه، وفعلت فعل الجاهلية في الإسلام، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خصامهما فقال: يا خالد دع عنك أصحابي، فوالله لو كان لك أُحدٌ ذَهَبَاً، ثم أنفقته في سبيل الله تعالى ما أدركت غدوة أحدهم ولا روحته.
[غزوة حنين]
وكانت في شوال سنة ثمان، وحنين واد بين مكة والطائف، وهو إِلى الطائف أقرب. لما فُتحت مكة تجمّعت هوازن بحريمهم وأموالهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومقدمهم مالك بن عوف النضري، وانضمت إِليهم ثقيف، وهم أهل الطائف، وبنو سعد بن بكر، وهم الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم مرتضعاً عندهم، وحضر مع بني جشم دريد ابن الصمة، وهو شيخ كبير قد جاوز المائة، وليس يراد منه التيمن برأيه، وقال رجزاً:
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع
ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماعهم، خرج من مكة لست خلون من شوال ثمان، وكان يقصر الصلاة بمكة، من يرم الفتح إِلى حين خرج للقاء هوازن، وخرج معه اثنا عشر ألفاً، ألفان من أهل مكة، وعشرة آلاف كانت معه، وكان صفوان ابن أمية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافر لم يُسلم، سأل أن يُمهل بالإسلام شهرين، وأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إِلى ذلك، واستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم منه مائة درع في هذه الغزوة، وحضرها أيضاً جماعة كثيرة من المشركين وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى حنين، والمشركون بأوطاس، فقال دريد بن الصمة: بأي واد أنتم. قالوا: بأوطاس. قال: نعْمَ مجال الخيل، لا حَزن ضرس ولا سهل دَهِس، وركب النبي صلى الله عليه وسلم بغلته الدُلَدُل، وقال رجل من المسلمين لما رأى كثرة جيش النبي صلى الله عليه وسلم:" لن يغلب هؤلاء من قلة " وفي ذلك نزل قوله تعالى: " ويوم حنين إِذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً "" التوبة: ٢٥ " ولما التقوا انكشف المسلمون لا يلوي أحد على أحد، وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين في نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته، ولما انهزم المسلمون أظهر أهل مكة ما في نفوسهم من الحقد، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وكانت الأزلام معه في كناتته، وصرخ كلدة: الآن بطل السحر، وكلدة أخو صفوان بن أمية لأمه، وكان صفوان حينئذ مشركاً، فقال له صفوان: اسكت فضّ الله تعالى فاك. قال والله لئن يُربني رجل من قريش أحبّ إِلي من أن يُربني رجل من هوازن، واستمر رسول الله ثابتاً وتراجع المسلمون واقتتلوا قتالاً شديداً، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لبغلته الدلدل: البدي البدي فوضعت بطنها على الأرض، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة تراب فرمى بها في وجه المشركين فكانت الهزيمة،