للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما سبب تبلبل الألسن فقد ذكر أبو عيسي أن بني نوح الذين نشؤوا بعد الطوفان، اجتمعوا على بناء حصن يتحرزون به خوفاً من مجيء الطوفان مرة ثانية، والذي وقع رأيهم عليه أن يبنوا صرحاً شامخاً تبلغ رأسه السماء، فجعلوا له اثنين وسبعين برجاً، وجعلوا على كل برج كبيراً منهم يستحث على العمل، فانتقم الله تعالى منه، وبلبل ألسنتهم إلى لغات شتى.

ولم يوافقهم عابر على ذلك، واستمر على طاعة الله تعالى، فبقاه الله تعالى على اللغة العبرانية، ولم ينقله عنها.

ولما افترقت بنو نوح صار لولد سام العراق وفارس وما يلي ذلك إلى الهند، وصار لوالد حام الجنوب مما يلي مصر على النيل، وكذلك مغرباً إلى منتهى المغرب الأقصى، وصار لولد يافث مما يلي بحر الخزر، وكذلك مشرقاً إلى جهة الصين، وكانت شعوب أولاد نوح الثلاثة عند تبلل الألسن اثنين وسبعين شعباً.

[ذكر هود وصالح]

وهما نبيان أرسلا بعد نوح وقبل إبراهيم الخليل عليه السلام، أما هود فقد قيل أنه عابر بن شالح المذكور.

وأرسل الله هوداً إلى عاد - وكانوا أهل أصنام ثلاثة - وكان عاد وثمود جبارين طوال القامات، كما أخبر الله في التنزيل عنهم، قال الله تعالى " واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة " " الأعراف: ٦٩ " ودعا هود قوم عاد فلم يؤمن منهم إلا القليل، فأهلك الله الذين لم يؤمنوا بريح سبع ليال وثمانية أيام حسوماً - والحسوم الدائم - فلم تدع من عاد أحداً إلا هلك، غير هود والمؤمنين معه، فإنهم اعتزلوا في حظيرة، وبقي هود كذلك حتى مات، وقبره بحضرموت، وقيل بالحجر من مكة.

ويروى أنه كان من قوم عاد شخص اسمه لقمان، وهو غير لقمان الحكيم الذي كان على عهد داود النبي عليه السلام، وكان قد حصل لعاد - قبل أن يهلكهم الله - الجدب، فأرسلوا جماعة منهم إلى مكة يستسقون لهم، وكان من جملة الجماعة المذكورين لقمان المذكور.

فلما هلكت عاد كما ذكرنا بقي لقمان بالحرم، فقال له الله تعالى: اختر ولا سبيل إلى الخلود، فقال: يا رب، أعطني عمر سبعة أنسر، فكان يأخذ الفرخ الذكر يخرج من بيضته، حتى إذا مات أخذ غيره، وكان يعيش كل نسر ثمانين سنة، وكان اسم النسر السابع لبداً، فلما مات لبد مات لقمان معه، وقد أكثر الناس والعرب في أشعارهم من ذكر هذه الواقعة فلذلك ذكرناها.

وأما صالح، فأرسله الله إلى ثمود، وهو صالح بن عبيد بن أسف بن ماشج ابن عبيد بن خادر بن ثمود، فدعا صالح قوم ثمود إلى التوحيد - وكان مسكن ثمود بالحجر كما تقدم ذكره - فلم يؤمن به إلا قليل مستضعفون، ثم إن كفارهم عاهدوا صالحاً على أنه إن أتى بما يقترحونه عليه آمنوا به، واقترحوا عليه أن يخرج من صخرة معينة ناقة، فسأل صالح الله تعالى في ذلك، فخرج من تلك الصخرة ناقة، وولدت فصيلاً، فلم يؤمنوا، وآخر الحال

<<  <  ج: ص:  >  >>