بغداد ولباس أصحابه الخضرة، وكان الناس يدخلون عليه في الثياب الخضر، ويحرقون كل ملبوس يرونه من السواد، ودام ذلك ثمانية أيام، ثم تكلم بنو العباس وقواد خراسان في ذلك، فترك الخضرة وأعاد لبس السواد.
وفاة الإِمام الشافعي
[رحمه الله]
وفي هذه السنة، أعني سنة أربع ومائتين، توفي الإمام الشافعي وهو محمد بن إِدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السايب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف، وهذا شافع الذي ينسب إِليه الشافعي، لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مترعرع، وأبوه السايب أسلم يوم بدر.
فالشافعي شقيق رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسبه، يجتمع معه في عبد مناف، وكانت زوجة هاشم بن المطلب بن عبد مناف بنت عمه الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف فولد له منها عبد يزيد، جدّ الشافعي، فالشافعي إِذن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، لأن الشفاء أخت عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وولد الشافعي سنة خمسين ومائة بغزة، على الصحيح، وقيل في غيرها، وأخذ العلم من مالك بن أنس، ومسلم بن خالد الزنجي، وسفيان بن عيينة، وسمع الحديث من إِسماعيل بن علية، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، ومحمد بن الحسن الشيباني، وغيرهم، قال الشافعي: حفظت القرآن وأنا ابن تسع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر، وقدمت على مالك وأنا ابن خمس عشرة سنة. وقال: رأيت علي بن أبي طالب في منامي، فسلم علي وصافحني؛ وجعل خاتمه في إِصبعي، ففسر لي أن مصافحته لي أمان من العذاب، وجعله الخاتم في إِصبعي، أنّه سيبلغ اسمي ما بلغ اسم علي، في الشرق والغرب.
وناظر الشافعي محمد بن الحسن في الرقة، فقطعه الشافعي، وكان الشافعي حافظاً للشعر، قال الأصمعي: قرأت ديوان الهذليين على محمد بن إِدريس الشافعي، وقال أبو عثمان المازني: سمعت الأصمعي يقول قرأت ديوان الشنفري على الشافعي بمكة، وكان أحمد بن حنبل يقول: ما عرفت ناسخ الحديث ومنسوخه، حتى جالست الشافعي.
وقدم الشافعي إِلى بغداد مرتين، مرة في سنة خمس وسبعين ومائة، ثم قدمها مرة أخرى في سنة ثمان وسبعين ومائة، وناظر بشر المريسي المعتزلي ببغداد، وناظر حفص الفرد بمصر، فقال حفص: القرآن مخلوق، واستدل عليه، فتحاربا في الكلام حتى كفره الشافعي وقد رواه أبو يعقوب البويطي قال: سمعت الشافعي يقول: إِنما خلق الله الخلق بكن، فإِذا كانت كن مخلوقة، فكأن مخلوقاً خلق بمخلوق، قال ابن بنت الشافعي: حدثنا أبي قال: كان الشافعي ينظر في النجوم وهو حدث، وما نظر في شيء إِلا فاق فيه، فجلس يوماً وامرأته تطلق، فحسب وقال: تلد جارية عوراء على فرجها خال أسود، تموت إِلى كذا وكذا، فكان كما قال. فجعل على نفسه ألا ينظر فيه بعدها، ودفن الكتب التي كانت عنده