عما يقولون في عيسى، فسألهم النجاشي فقالوا ما قاله الله تعالى من أنه كلمة الله ألقاها إِلى مريم العذراء، فلم ينكر النجاشي ذلك. فأقام المهاجرون في جوار النجاشي آمنين، ورجع عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة خائبين، بعد أن ردّ النجاشي عليهما الهدية.
ولما رأت قريش ذلك وأن الإسلام قد جعل يفشو في القبائل، تعاهدوا على بني هاشم وبني المطلب، أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، وكتبوا بذلك صحيفة وتركوها في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم، وانحازت بنو هاشم، كافرهم ومسلمهم إلى أبي طالب، ودخلوا معه في شعبه، وخرج من بني هاشم أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب إِلى قريش مظاهراً لهم، وكانت امرأته أم جميل بنت حرب، وهي أخت أبي سفيان، على رأيه في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التي سماها الله تعالى: حمالة الحطب، لأنها كانت تحمل الشوك، فتضعه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقامت بنو هاشم في الشعب، ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحو ثلاث سنين، وبلغ المهاجرين الذين في الحبشة أن أهل مكة أسلموا، فقدم منهم ثلاثة وثلاثون رجلا، ولما قربوا من مكة، لم يجدوا ذلك صحيحاً، فلم يدخل أحد منهم مكة إلا متخفياً، وكان من الذين قدموا عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعثمان بن مظعون.
[نقض الصحيفة]
روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي طالب:" يا عم إِن ربي سلط الأرضة على صحيفة قريش، فلم تدع فيها غير أسماء الله، ونفت منها الظلم والقطيعة ". فخرج أبو طالب إِلى قريش وأعلمهم بذلك وقال: إِن كان ذلك صحيحاً، فانتهوا عن قطيعتنا، وإن كان كذباً دفعت إِليكم ابن أخي، فرضوا بذلك، ثم نظروا فإذا الأمر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزادهم ذلك شراً، فاتفق جماعة من قريش ونقضوا ما تعاهدوا عليه في الصحيفة، من قطيعة بني المطلب.
[الإسراء]
ذكر صاحب السيرة أن الإسراء كان قبل موت أبي طالب، وذكر ابن الجوزي، أنه كان بعد موت أبي طالب، في سنة اثنتي عشرة للنبوة، واختلف فيه فقيل: كان ليلة السبت، لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، في السنة الثالثة عشرة للنبوة، وقيل كان في ربيع الأول، وقيل: كان في رجب، وقد اختلف أهل العلم فيه، هل كان بجسده أم كان رؤيا صادقة، فالذي عليه الجمهور أنه كان بجسده، وذهب آخرون إلى أنه كان رؤيا صادقة، ورووا عن عائشة رضي الله عنها أنفاً كانت تقول: ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله أسرى بروحه، ونقلوا عن معاوية أيضاً أنه كان يقول: إِنّ الإسراء كان رؤيا صادقة، ومنهم من جعل الإسراء إِلى بيت المقدس جسدانياً، ومنه إِلى السموات السبع وسدرة المنتهى روحانياً.