وفيها كانت زلازل عظيمة حتى فارق الناس ديارهم، وفيها توفي الشريف أبو نصر الزيني العباسي، نقيب الهاشميين وهو محدث مشهور على الإسناد.
ثم دخلت سنة ثمانين وأربعمائة وسنة إحدى وثمانين وأربعمائة فيها توفي الملك المؤيد إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة، وقيل كانت وفاته سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وهو الأقوى. ولكن تابعنا ابن الأثير وإيراده وفاة المذكور في هذه السنة، وكان ملكه في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، وكان حسن السيرة حازماً، ولما توفي ملك بعده ابنه مسعود بن إبراهيم، وكان قد زوجه أبوه بابنة السلطان ملكشاه. وفيها جمع أقسنقر صاحب حلب عساكره وسار إلى قلعة شيزر، وصاحبها نصر بن علي بن منقذ، وضيق عليه ونهب الربض، ثم صالحه ابن منقذ المذكور، فعاد أقسنقر إلى حلب.
ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة فيها سار السلطان ملكشاه بجيوش لا تحصى كثرة، إلى ما وراء النهر، وعبر جيحون وسار إلى بخارى، وملك ما على طريقه من البلاد، ثم ملك بخارى، ثم سار إلى سمرقند فملكها وأسر صاحبها أحمد خان وأكرمه، ثم سار السلطان إلى كاشغر فبلغ إلى بوزكند، وأرسل إلى ملك كاشغر يأسره بإقامة الخطبة له والسكة، فأجاب إلى ذلك، وسار ملك كاشغر وحضر عند السلطان ملكشاه، فأكرمه السلطان وعظمه وأعاده إلى ملكه، ثم رجع السلطان إلى خراسان.
[ذكر غير ذلك:]
فيها عمرت منارة جامع حلب، وقام بعملها القاضي أبو الحسن بن الخشاب، وكان بحلب ليت نار قديم، ثم صار أتون حمام، فأخذ ابن الخشاب المذكور حجارته وبنى بها المأذنة المذكورة، فسعى بعض حسدة ابن الخشاب به إلى أقسنقر، وقال: إن هذه الحجارة لبيت المال، فأحضره أقسنقر وحدثه في ذلك، فقال ابن الخشاب: يا مولانا إني عملت بهذه الحجارة معبداً للمسلمين، وكتبت عليه اسمك، فإن رسمت غرِّمت ثمنها. فأجابه أقسنقر إلى إتمام ذلك، من غير أن يأخذ منه شيئاً. وفيها توفي عاصم بن محمد بن الحسن البغدادي من أهل الكرخ، وكان مطبوعاً كيسّاً وله شعر حسن فمنه:
ماذا على متلوّن الأخلاق ... لو زارني فأبثه أشواقي
وأبوح بالشكوى إليه تذللاً ... وأفضُّ ختم الدمع من آماقي
أسر الفؤاد ولم يرق لموثق ... ما ضره لو منَّ بالإطلاق
إن كان قد لسعت عقارب صدغه ... قلبي فإن رضا به ترياقي
ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة فيها توفي فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جهير، بالموصل، في المحرم، منها، وكان مولده بالموصل سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، وتنقل في الخدم،