السلطنة بحلب، مع قشتمر مملوكه، عسكر حلب للإغارة على بلاد سيس، فدخلوها في أول الشهر المذكور، وكان قشتمر المذكور ضعيف العقل، قليل التدبير، مشتغلاً بالخمر، ففرط في حفظ العسكر، ولم يكشف أخبار العدو، واستهان بهم، فجمع صاحب سيس جموعاً كثيرة من التتر، وانضمت إليهم الأرمن والفرنج، ووصلوا على غرة إلى قشتمر المذكور، ومن معه من الأمراء وعسكر حلب، والتقوا بالقرب من إياس، فلم يكن للحلبيين قدرة بمن جاءهم، فتولوا يبتدرون الطريق، وتمكنت التتر والأرمن منهم، فقتلوا وأسموا غالبهم، واختفى من سلم في تلك الجبال، ولم يصل إلى حلب منهم إلا القليل، عرايا بغير خيل، وكان صاحب سيس في هذه السنة، هيتوم بن ليفون بن هيتوم، وهو الذي أمسكه أخوه سنباط وسمله، فذهبت عينه الواحدة وبقي أعور حسبما تقدم ذكره في سنة تسع وتسعين وستمائة.
ذكر غير ذلك
في هذه السنة قطع خبر بدر الدين بكتاش، أمير سلاح، لكبره وعجزه عن الحركة.
وفيها أفرج عن الحاج بهادر الظاهري، وكان قد اعتقله حسام الدين لاجين الملقب بالملك المنصور.
وفيها هلك قطلوشاه نائب خربندا، قتله أهل كيلان، لأنهم عصوا، وسار قطلوشاه لقتلهم، فكبسوه وقتلوه، وقتل معه جماعة من المغل. وفيها سار جمال الدين أقوش الأفرم بعسكر دمشق وغيره من عساكر الشام، إلى جبال الظنينين، وكانوا عصاة مارقين من الدين، فأحاطت العساكر الإسلامية بتلك الجبال المنيعة، وترجلوا عن خيولهم، وصعدوا في تلك الجبال من كل الجهات، وقتلوا وأسروا جميع من بها من النصيرية والظنينين وغيرهم من المارقين، وطفرت تلك الجبال منهم، وهي جبال شاهقة بين دمشق وطرابلس، وأمنت الطرق بعد ذلك، فإنهم كانوا يقطعون الطريق ويتخطفون المسلمين، ويبيعونهم للكفار. وفيها استدعي تقي الدين أحمد بن تيمية من دمشق إلى مصر، وعقد له مجلس، وأمسك وأودع الاعتقال، بسبب عقيدته، فإنه كان يقول بالتجسيم على ما هو منسوب إلى ابن حنبل.
ثم دخلت سنة ست وسبعمائة.
[ذكر من ملك في هذه السنة بلاد المغرب من بني مرين]
قد تقدم ذكر بني مرين في سنة اثنتين وسبعين وستمائة، وأنه استقر في الملك منهم يعقوب، ثم ابنه يوسف، ولما كان في هذه السنة قتل أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو ابن حمامة المريني، ملك المغرب، وهو محاصر تلمسان، وكان قد أقام على حصارها سنين كثيرة، ونفدت أقوات أهل تلمسان، ولم يبق عندهم ما يكفيهم شهراً، وأيقنوا بالعطب، ففرج الله عنهم بقتل المريني المذكور، وسبب قتله أنه اتهم وزيره بتعرضه إلى حرمه، واتهم زمام داره، وكان اسمه عنبر، بمواطاة الوزير على ذلك، وأمر بحبس الوزير، وأمر