السنة المذكورة، وتوفي يوم السبت سلخ ذي الحجة، ودفن يوم الأحد هلال المحرم سنة أربع وعشرين، وكانت مدة خلافته عشر سنين وستة أشهر وثمانية أيام، ودفن عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وعهد بالخلافة إِلى النفر الذين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وهم علي وعثمان وطلحة والزبير وسعد رضي الله عنهم، بعد أن عرضها على عبد الرحمن بن عوف فأبى.
وكان عمر رضي الله عنه طويل القامة أبيض أصلع أشيب، وكان عمره خمساً وخمسين سنة، وقيل ستين، وقيل ثلاثاً وستين، وكان له من الفضل والزهد والعدل والشفقة على المسلمين القدر الوافر، فمن ذلك أنه جاء إِلى عبد الرحمن بن عوف وهو يصلي في بيته ليلاً؛ فقال عبد الرحمن: ما جاء بك يا أمير المؤمنين في هذه الساعة؟ فقال: إِن رفقة نزلوا في ناحية السوق، خشيت عليهم سراق المدينة، فانطلق لنحرسهم، فأتيا السوق، وقعدا على نشز من الأرض يتحدثان ويحرسانهم.
وعمر أول من سمي بأمير المؤمنين، وأول من كتب التاريخ، وأرّخ من السنة التي هاجر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول من عس بالليل، وأول من نهى عن بيع أمهات الأولاد، وأول من جمع الناس في صلاة الجنازة على أربع تكبيرات، وكانوا قبل ذلك يكبرون أربعاً وخمساً وستاً، وأول من جمع الناس على إمام يصلي بهم التراويح في رمضان، وكتب بذلك إلى سائر البلدان وأمرهم به، وأول من حمل الدرة وضرب بها، ودون الدواوين.
وخطب مرة الناس وعليه إِزار فيه اثنتا عشرة رقعة، وكان مرة في بعض حجته فلما مر بضحيان قال لا إِله إِلا الله، المعطي ما شاء من شاء، كنت أرعى إبل الخطاب في هذا الوادي في مدرعة صوف، وكان فظاً يرعبني إِذا عملت؛ ويضربني إذا قصرت، وقد أصبحت وليس بيني وبين الله أحد. وفضائله رضي الله عنه أكثر من أن تحصى.
ثم دخلت سنة أربع وعشرين فيها عَقِبَ موت عمر، اجتمع أهل الشورى، وهم علي وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وكان قد شرط عمر أن يكون ابنه عبد الله شريكاً في الرأي، ولا يكون له حظ في الخلافة، وطال الأمر بينهم، وكان قد جعل لهم عمر مدة ثلاثة أيام، وقال لا يمضي اليوم الرابع إِلا ولكم أمير، وإن اختلفتم فكونوا مع الذي معه عبد الرحمن. فمضى علي إِلى العباس رضي الله عنهما؛ وقال له: عدل عنا لأن سعداً لا يخالف عبد الرحمن، لأنه ابن عمه، وعبد الرحمن صهر عثمان، فلا يختلفون فيوليها أحدهم الآخر. فقال العباس: لم أدفعك عن شيء إِلا رجعت إِلى مستأخر، أشرت عليك قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسأله فيمن يجعل هذا الأمر فأبيت، وأشرت عليك بعد وفاته أن تعاجل هذا الأمر فأبيت، وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى أن لا تدخل