خاطره منهم، وتقدم إليهم بالانتزاح عن دمشق، فساروا إلى غزة، وانضموا إلى الملك المغيث فتح الدين عمر ابن الملك العادل أبي بكر ابن الملك الكامل، وانزعج أهل مصر لقدوم البحرية إلى غزة، وبرزوا إلى العباسة، ووصل من البحرية جماعة مقفزين إلى القاهرة، منهم عز الدين الأثرم، فأكرموهم وأفرجوا عن أملاك الأثرم. ولما فارق البحرية الناصر صاحب الشام، أرسل عسكراً في إثرهم، فكبس البحرية ذلك العسكر ونالوا منه، ثم إن عسكر الناصر بعد الكبسة، كسروا البحرية، فانهزموا إلى البلقاء وإلى زعز، ملتجين إلى الملك المغيث صاحب الكرك، فأنفق فيهم المغيث أموالاً جليلة، وأطمعوه في ملك مصر، فجهزهم بما احتاجوه، وسارت البحرية إلى جهة مصر، وخرجت عساكر مصر لقتالهم، والتقى المصريون مع البحرية وعسكر المغيث بكرة السبت، منتصف ذي القعدة من هذه السنة، فانهزم عسكر المغيث والبحرية، وفيهم بيبرس البند قداري، المسمى بعد ذلك بالملك الظاهر، إلى جهة الكرك.
[ذكر غير ذلك من الحوادث]
في هذه السنة وصل من الخليفة المستعصم، الخلعة والطوق والتقليد، إلى الملك الناصر يوسف ابن الملك العزيز. وفيها استجار الناصر داود بنجم الدين الباذراي، في أن يتوجه صحبته إلى بغداد، فأخذه صحبته، وتوصل الناصر يوسف صاحب دمشق إلى منعه عن ذلك، فلم يتهيأ له، وسار الناصر داود مع الباذراي إلى قرقيسيا، فأخره الباذراي ليشاور عليه، فأقام الناصر داود في قرقيسيا ينتظر الإذن بالقدوم إلى بغداد فلم يؤذن له، وطال مقامه، فسافر إلى البرية وقصد تيه بني إسرائيل، وأقام مع عرب تلك البلاد.
وفي هذه السنة أو التي قبلها، ظهرت نار بالحرة، عند مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان لها بالليل ضوء عظيم، يظهر من مسافة بعيدة جداً، ولعلها النار التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة، فقال " نار تظهر بالحجاز تضيء منها أعناق الإبل ببصرى " ثم اتفق أن الخدام بحرم النبي صلى الله عليه وسلم، وقع منهم في بعض الليالي تفريط، فاشتعلت النار في المسجد الشريف، واحترقت سقوفه، ومنبر النبي صلى الله عليه وسلم، وتألم الناس لذلك.
ثم دخلت سنة ست وخمسين وستمائة.
ذكر استيلاء التتر على بغداد
[وانقراض الدولة العباسية:]
في أول هذه السنة قصد هولاكو ملك التتر بغداد وملكها، في العشرين من المحرم، وقتل الخليفة المستعصم بالله، وسبب ذلك أن وزير الخليفة مؤيد الدين ابن العلقمي، كان رافضياً، وكان أهل الكرخ أيضاً روافض، فجرت فتنة بين السنية والشيعة ببغداد، على جاري عادتهم، فأمر أبو بكر ابن الخليفة، وركن الدين الدوادار، العسكر، فنهبوا الكرخ وهتكوا النساء، وركبوا منهن الفواحش، فعظم ذلك على الوزير ابن العلقمي، وكاتب التتر وأطمعهم في ملك بغداد،