ذلك في التاريخ المذكور، وكان الصلح على أن لا يذكر بركيارق في البلاد التي استقرت لمحمد، وأن لا يتكاتبا بل تكون المكاتبة بين وزيريهما، وأن لا يعارض العسكر في قصد أيهما شاء، وأما البلاد التي استقرت لمحمد، ووقع عليها الصلح فهي: من النهر المعروف باسبيدز إلى باب الأبواب وديار بكر والجزيرة والموصل والشام، ويكون له من العراق بلاد صدقة بن مزيد، ولما وصلت الرسل إلى المستظهر الخليفة بالصلح وما استقر عليه الحال، خطب لبركيارق ببغداد وكان شحنة بركيارق ببغداد أيلغازي بن أرتق.
ذكر ملك الفرنج جبيل وعكا من الشام في هذه السنة سار صنجيل وقد وصله مدد الفرنج من البحر إلى طرابلس وحاصرها براً وبحراً، فلم يجد فيها مطمعاً، فعاد عنها إلى جبيل وحاصرها وتسلمها بالأمان، ثم سار إلى عكا، ووصل إليه من الفرنج جمع آخر من القدس، وحصروا عكا في البر والبحر، وكان الوالي بعكا من جهة خليفة مصر، اسمه بنا ولقبه زهر الدولة الجيوشي، نسبة إلى أمير الجيوش، وجرى بينهم قتال طويل حتى ملك الفرنج عكا بالسيف وفعلوا بأهلها الأفعال الشنيعة، وهرب من عكا بنا المذكور إلى الشام ثم سار إلى مصر، وملوك الإسلام إذ ذاك مشتغلون بقتال بعضهم بعضاً، وقد تفرقت الآراء واختلفت الأهواء وتمزقت الأموال، ثم إن الفرنج قصدوا حران فاتفق جكرمش صاحب الموصل وسقمان بن أرتق ومعه التركمان فتحالفا واتفقا وقصدا الفرنج واجتمعا على الخابور، والتقيا مع الفرنج على نهر البليخ، فنصر الله تعالى المسلمين وانهزمت الفرنج، وقتل منهم خلق كثير وأسر ملكهم القومص.
ذكر وفاة دقاق في هذه السنة في رمضان توفي الملك دقاق بن تنش بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق صاحب دمشق، فخطب طغتكين الأتابك بدمشق لابن دقاق وكان طفلاً له سنة واحدة، ثم قطع خطبته وخطب لبلتاش بن تنش عم هذا الطفل في ذي الحجة، ثم قطع خطبة بلتاش وأعاد خطبة الطفل، واستقر طغتكين في ملك دمشق.
[ذكر غير ذلك من الحوادث]
في هذه السنة سار صدقة بن مزيد صاحب الحلة إلى واسط واستولى عليها، وضمن البطيحة لمهذب الدولة بن أبي الخير بخمسين ألف دينار. وفيها توفي أمين الدولة أبو سعد الحسن بن موصلايا فجأة، وكان قد أضر، وكان بليغاً فصيحاً، خدم الخلفاء خمساً وستين سنة، لأنه خدم القائم سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وكان نصرانياً فأسلم سنة أربع وثمانين وأربعمائة، وكان كل يوم تزداد منزلته حتى تاب عن الوزارة، وكان كثير الصدقة جميل