في هذه السنة متجهين إلى بغداد، فقتل نظام الملك بالقرب من نهاود، كما ذكر، وأتم السلطان السير ودخل بغداد، في الرابع والعشرين من رمضان هذه السنة، ثم خرج السلطان ملكشاه من بغداد إلى الصيد، وعاد ثالث شوال مريضاً بحمى محرقة، وتوفي ليلة الجمعة نصف شوال، وهو ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، وكان مولده في سنة سبع وأربعين وأربعمائة. وكان من أحسن الناس صورة ومعنى، وخطب له من حدود الصين إلى آخر الشام، ومن أقاصي بلاد الإسلام في الشمال إلى بلاد اليمن، وحملت له ملوك الروم الجزية ولم يفته مطلب، وكانت أيامه أيام عدل وسكون وأمن، فعمرت البلاد ودرت الأرزاق، وعمر الجامع ببغداد، وعمل المصانع بطريق مكة، وكان غاوياً بالصيد، وكان يتصدق بعدد كل وحش يصيده بدينار، وصاد مرة صيداً كثيراً تقديره عشرة آلاف، فتصدق بعشرة آلاف دينار.
ملك الملك محمود بن ملكشاه
[وحال أخيه بركيارق بن ملكشاه:]
لما مات السلطان ملكشاه، أخفت زوجته تركان خاتون موته، وفرقت الأموال في الأمراء، وسارت بهم إلى أصفهان، واستحلفت العسكر لولدها محمود، وعمره أربع سنين وشهور، وخطب له في بغداد وغيرها، وكان تاج الملك هو الذي يدير الأمر بين يدي تركان خاتون، وأما أخوه بركيارق، فإنه هرب من أصفهان لما وصلت تركان خاتون إليها، وانضم إلى بركيارق النظامية لبغضهم تاج الملك، لأنه هو الذي سعى في نظام الملك حتى كان من قتله ما كان، فقوي بركيارق بهم، فأرسلت تركان خاتون عسكراً إلى بركيارق والنظامية، فاقتتلوا بالقرب من بروجرد فانهزم عسكر خاتون وسار بركيارق في أثرهم وحصرهم بأصفهان، وكان تاج الملك في عسكر تركان خاتون، فأخذ أسيراً، وأراد بركيارق الإحسان إلى تاج الملك وأن يوليه الوزارة، فوثبت النظامية عليه فقتلوه، وكان تاج الملك المذكور ذا فضائل جمة، وخرجت هذه السنة والأمر على ذلك.
ثم دخلت سنة ست وثمانين وأربعمائة فيها خرج من أصفهان الحسن بن نظام الملك إلى بركيارق، وهو محاصر لأصفهان، فأكرمه وولاه وزارته، ولقبه عز الملك. وفيها تحرك تنش من دمشق لطلب السلطنة بعد موت أخيه ملكشاه، واتفق معه أقسنقر صاحب حلب، وخطب له باغي سيان صاحب أنطاكية، وبزان صاحب الرها وسار تنش ومعه أقسنقر فافتتح نصيبين عنوة، ثم قصد الموصل، وكنا ذكرنا في سنة سبع وسبعين وأربعمائة أنه لما قتل شرف الدولة، مسلم بن قريش صاحب الموصل وحلب وغيرهما، استولى على الموصل إبراهيم بن قريش أخو مسلم، ثم إن ملكشاه قبض على إبراهيم سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وأخذ منه الموصل، وبقي إبراهيم معه حتى مات ملكشاه، فأطلق إبراهيم وسار إلى الموصل وملكها، فلما قصد تنش في هذه السنة الموصل، خرج إبراهيم