وفي هذه السنة أرسلت طلبت دستوراً من مولانا السلطان بالتوجه إلى الحجاز الشريف، فرسم لي بالدستور، وجهزت شغلي وقدمت الهجن إلى الكرك، وجهزت ولدي والثقل مع الركب الشامي، ووصلني من صدقات السلطان ألف دينار عيناً برسم النفقة، ووصلني منه مراسم شريفة بإخراج السوقية من سائر البلاد إلى الركب الحموي، وأن تسير جمالي حيث شئت قدام المحمل السلطاني أو بعده، على ما أراه، فقابلت هذه الصدقات بمزيد الدعاء، وخرجت من حماة في يوم الجمعة رابع عشر شوال من هذه السنة الموافق لأول شباط، وسرت بالخيل إلى الكرك، وركبت الهجن من هناك، ورجعت الخيل والبغال إلى حماة، واستصحبت معي ستة أرؤس من الخيل نجائب، وسار في صحبتي عدة مماليك بالقسي والنشاب، وسبقت الركب إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، ووصلت إليها في يوم الجمعة العشرين من ذي القعدة، وتمكنت من الزيارة خلوة، وأقمت حتى لحقني الركب، ثم سبقتهم ووصلت إلى مكة في يوم السبت، خامس ذي الحجة، وأقمت بها، ثم خرجنا إلى عرفات ووقفنا يوم الأربعاء، ثم عدنا إلى منى وقضينا مناسك الحج، ثم اعتمرت لأني حججت هذه الحجة مفرداً على ما هو المختار عند الشافعي وكنت في الحجة الأولى قارناً، ثم عدنا إلى البلاد، وسبقت الحجاج من بطن مر، وسرت منه يوم الثلاثاء خامس عشر ذي الحجة، الموافق لثامن نيسان، وسرت حتى خرجت هذه السنة، واستهل المحرم سنة أربع عشرة وسبعمائة، وأني قد عديت تبوك ووصلت إلى حماة، حادي عشر المحرم سنة أربع عشرة، وكان مسيري من مكة إلى حماة نحو خمسة وعشرين يوماً، أقمت من ذلك في المدينة، وفي العلا، وفي بركة زيزا ودمشق، ما يزيد على ثلاثة أيام، وكان خالص مسيري من مكة إلى حماة، دون اثنين وعشرين يوماً، وكان مسيري على الهجن، وكان صحبتي فرس وبغل، ولم يقف عني شيء منها، وهذه هي حجتي الثانية، وحججت الحجة الأولى في سنة ثلاث وسبعمائة.
وفيها جرد السلطان من مصر إلى مكة عسكراً وأمراء من عسكر دمشق، وأرسل معهم أبا الغيث بن أبي نمي ليقروه في مكة، ويقبضوا أو يطردوا أخاه حميضة ابن أيي نمي، لأنه كان قد ملك مكة وأساء السيرة فيها، وكان مقدم العسكر المجرد على ذلك، سيف الدين طقصبا الحسامي، فلما اجتمعت به في مكة، أوصلني مثالاً من مولانا السلطان، يتضمن أني أساعدهم على إمساك حميضة بالرجال، والرأي فلما قربنا من مكة حرسها الله تعالى، تركها حميضة وهرب إلى البرية، فقررنا أبا الغيث بمكة، واستغلها وأخذ ما يصل مع الركبان من اليمن وغيره إلى صاحبها، وكذلك استهدى الضرائب من التجار، واستقرت قدمه فيها، ثم كان منه ما سنذكره إن شاء الله