أرسلت أعرض على الآراء الشريفة السلطانية إقامتي في حماة، على قاعدة أصحابها من أهلي، فوجد قاصدي الأمر قد فات، وقررت حماة لسيف الدين قبجق المقيم بالشوبك، وكتب تقليده بها في هذه السنة، وحصل إلي من الصدقات السلطانية الوعود الجميلة الصادقة بحماة، وتطييب الخاطر، والاعتذار بأن كتابي وصل بعد خروج حماة لقجبق، ووصل قجبق إلى حماة في السنة المقابلة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر غير ذلك من الحوادث في هذه السنة توفي فارس الدين البلي الظاهري، نائب السلطنة بحمص. وفيها توفي القاضي تقي الدين محمد بن دقيق العيد، قاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية، وكان إماماً فاضلاً، وولي موضعه القاضي بدر الدين محمد الحموي، المعروف بابن جماعة.
وفيها كانت زلزلة عظيمة هدمت بعض أسوار قلعة حماة، وغيرها من الأماكن بالبلاد، وهدمت بالديار المصرية أماكن كثيرة، وهلك خلق كثير تحت الهدم، وخربت من أسوار إسكندرية ستاً وأربعين بدنة.
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعمائة.
[ذكر وفاة قازان ملك التتر]
في هذه السنة توفي قازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طلو بن جنكزخان، بنواحي الري، في أواخر هذه السنة، وكان قد ملك في أواخر سنة أربع وتسعين وسبعمائة، فيكون مدة مملكته ثمان سنين وعشرة أشهر، وكان قد اشتد همه بسبب هزيمة عسكره وكسرتهم على مرج الصفر، فلحقه حمى حادة ومات مكموداً، ولما مات قازان، ملك أخوه خربند بن أرغون، وكان جلوسه في الملك في الثالث والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة، وتلقب الجنبو سلطان.
[ذكر قدوم قبجق إلى حماة]
قد تقدم في سنة اثنتبن وسبعمائة، ذكر وفاة زين الدين كتبغا نائب السلطنة بحماة، وأنه رتب موضعه سيف الدين قبجق، وكانت الشوبك إقطاع قبجق، وكان مقيماً بها، فلما أعطي نيابة السلطنة بحماة وارتجعت منه الشوبك، أقام بها حتى جهز أشغاله، وسار من الشوبك في ثالث صفر من هذه السنة، أعني سنة ثلاث وسبعمائة، ولما قارب حماة خرجنا لملتقاه إلى العنثر، وعملنا له الضيافات، وقدمنا له التقادم، وسرنا معه ودخلنا حماة في صبيحة يوم السبت، وهو الثالث والعشرين من صفر من هذه السنة، والموافق السادس تشرين الأول من شهور الروم، ونزل بدار الملك المظفر صاحب حماة، واستقر قدمه بحماة.