وفيها في يوم الخميس السادس والعشرين من شوال من السنة المذكورة، أعني سنة ست وأربعين وستمائة، توفي أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، المعروف بابن الحاجب، الملقب جمال الدين، وكان والده عمر حاجباً للأمير عز الدين بن موسك الصلاحي، وكان كردياً، واشتغل ولده أبو عمرو المذكور في صغره بالقرآن والفقه، على مذهب مالك بن أنس، وبالعربية، وبرع في علومه وأتقنها، ثم انتقل إلى دمشق ودرس بجامعها، وأكب الخلق على الاشتغال عليه، ثم عاد إلى القاهرة، ثم انتقل إلى الإسكندرية فتوفي بها.
وكان مولد الشيخ أبي عمرو المذكور، في أواخر سنة سبعين وخمسمائة، بأسنا " بليدة بالصعيد "، وكان الشيخ أبو عمرو المذكور متفنناً في علوم شتى، وكان الأغلب عليه علم العربية، وأصول الفقه، صنف في العربية مقدمته الكافية، واختصر كتاب الأحكام للآمدي، في أصول الفقه، فطبق ذكر هذين الكتابين، أعني الكافية ومختصره في أصول الفقه، جميع البلاد، خصوصاً بلاد العجم، واكب الناس على الاشتغال بهما إلى زماننا هذا، وله غيرهما عدة مصنفات.
وفيها أعني في سنة ست وأربعين وستمائة، توفي عز الدين أيبك المعظمي في محبسه بالقاهرة، وكان المذكور قد ملك صرخد، في سنة ثمان وستمائة حسبما تقدم ذكره في السنة المذكورة، وقال ابن خلكان: أنه ملك صرخد في سنة إحدى عشرة وستمائة. قال: لأن أستاذه الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب. حج في السنة المذكورة، وأخذ صرخد من صاحبها ابن قراجا، وأعطاها مملوكه أيبك المذكور، والظاهر أن الأول أصح، واستمرت في يد أيبك إلى سنة أربع وأربعين وستمائة، فأخذها الملك الصالح أيوب ابن الملك الكامل من أيبك المذكور، وأمسك أيبك في السنة المذكورة وحمله إلى القاهرة وحبسه في دار الطواشي، صواب، واستمر، معتقلاً بها حتى توفي معتقلاً في هذه السنة، في أوائل جمادى الأولى، ودفن خارج باب النصر في تربة شمس الدولة، ثم نقل إلى الشام ودفن في تربة كان قد أنشأها بظاهر دمشق، على الشرف الأعلى، مطلة على الميدان الأخضر الكبير، رحمه الله تعالى، هكذا نقلت ذلك من وفيات الأعيان.
ثم دخلت سنة سبع وأربعين وستمائة.
ذكر ملك الفرنج دمياط
[ونزول الملك الصالح أشمون طناخ:]
وفي هذه السنة سار ريد إفرنس، وهو من أعظم ملوك الفرنج، وريد بلغتهم هو الملك، أي ملك إفرنس، وإفرنس أمة عظيمة من أمم الفرنج، وكان جمع ريد إفرنس نحو خمسين ألف مقاتل، وشتى في جزيرة قبرس، ثم سار ووصل في هذه السنة إلى دمياط، وكان قد شحنها الملك الصالح بآلات عظيمة، وذخائر وافرة، وجعل فيها بني كنانة، وهم مشهورون بالشجاعة، وكان قد أرسل الملك الصالح فخر الدين ابن الشيخ بجماعة كثيرة من العسكر،