صاحب حماة، وحضرت معها أمها فاطمة خاتون، بنت السلطان الملك الكامل ابن الملك العادل، ووصلت إلى حماة في العشر الأوسط من رمضان من هذه السنة، أعني سنة خمس وأربعين وستمائة، ووصلت في تجمل عظيم، واحتفل للقائها بحماة احتفالاً عظيماً.
وفي هذه السنة توفي علاء الدين قراسنقر الساقي العادلي، أحد مماليك الملك العادل بن أيوب، وصارت مماليكه بالولاء للملك الصالح أيوب، ومنهم سيف الدين قلاوون الصالحي، الذي صار له ملك مصر والشام، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وفيها توفي عمر بن محمد بن عبد الله المعروف بالشلوبيني بإشبيلية، كان فاضلاً إماماً في النحو، شرح الجزولية، وصنف في النحو غير ذلك، وكان فيه مع هذه الفضيلة التامة، بله وغفلة، وكنيته أبو علي، والشلوبيني نسبة إلى شلوبين، وهو حصن منيع من حصون الأندلس، من معاملة سواحل غرناطة، على بحر الروم. منه عمر الشلوبيني المذكور. هذا ما نص عليه ابن سعيد المغربي في كتابه الكبير، المسمى " بالمغرب في أخبار أهل المغرب "، في المجلدة الخامسة عشرة، بعد ذكر غرناطة، قال: وقد وصف حصن شلوبين المذكور، ومنه الشيخ أبو علي عمر الشلوبيني قال: وقرأت عليه النحو، وكان إمام نحاة أهل المغرب، وكان في طبقة أبي علي الفارسي، ومن هنا يتحقق أن الذي نقله القاضي شمس الدين بن خلكان ومن تابعه، أن الشلوبين هو الأبيض الأشقر بلغة أهل الأندلس، وهم محض. لعدم وقوفهم على كتاب " المغرب في حلي أهل المغرب " المذكور.
ثم دخلت سنة ست وأربعين وستمائة فيها أرسل الملك الناصر صاحب حلب عسكراً مع شمس الدين لؤلؤ الأرمني، فحاصروا الملك الأشرف موسى بحمص مدة شهرين، فسلم إليهم حمص، وتعوض عنها بتل باشر، مضافاً إلى ما بيده من تدمر والرحبة، ولما بلغ الملك الصالح نجم الدين أيوب ذلك، شق عليه وسار إلى الشام لارتجاع حمص من الحلبيين، وكان قد حصل له مرض وورم في مأبطه، ثم فتح وحصل منه ناصور، ووصل الملك الصالح إلى دمشق، وأرسل عسكراً إلى حمص مع حسام الدين بن أبي على، فخر الدين ابن الشيخ، فنازلوا حمص وحصروها، ونصبوا عليها منجنيقاً مغربياً، يرمي بحجر زنتها مائة وأربعون رطلاً بالشامي، مع عدة منجنيقات أخر، وكان الشتاء والبرد قوياً، واستمر عليها الحصار، واتفق حينئذ وصول الخبر إلى الملك الصالح وهو بدمشق، بوصول الفرنج إلى جهة دمياط، وكان أيضاً قد قوي مرضه، ووصل أيضا نجم الدين الباذراي، رسول الخليفة، وسعى في الصلح بين الملك الصالح والحلبيين، وأن تستقر حمص بيد الحلبيين، فأجاب الملك الصالح إلى ذلك، وأمر العسكر فرحلوا عن حمص بعد أن أشرفوا على أخذها.
ثم رحل الملك الصالح عن دمشق في محفة لقوة مرضه، واستناب بدمشق جمال الدين بن يغمور، وعزل ابن مطروح، وأرسل حسام الدين بن أبي علي قدامه ليسبقه إلى مصر، وينوب عنه بها.