ففارقوا شيزر، وقصد أكثرهم نور الدين محمود بن زنكي، وشكوا إليه من عمهم سلطان، فغاظه ذلك، ولم يمكنه قصده لاشتغاله بجهاد الفرنج، وبقي سلطان كذلك إلى أن توفي، وولي بعده أولاده.
فلما خربت القلعة في هذه السنة بالزلزلة، لم ينج من بني منقذ الذين كانوا بها أحد، فإن صاحبها منهم كان قد ختن ولده، وعمل دعوة للناس، وأحضر جميع بني منقذ في داره، فجاءت الزلزلة، فسقطت الدار والقلعة عليهم، فهلكوا عن آخرهم، وكان لصاحب شيزر بن منقذ المذكور حصان يحبه، ولا يزال على باب داره، فلما جاءت الزلزلة وهلك بنو منقذ تحت الهدم، سلم منهم واحد، وهرب يطلب باب الدار، فلما خرج من الباب رفسه الحصان المذكور فقتله، وتسلم نور الدين القلعة والمدينة.
ذكر وفاة السلطان سنجر في هذه السنة في ربيع الأول، توفي السلطان سنجر بن ملكشاه بن أبى أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، أصابه قولنج، ثم إسهال، فمات منه. ومولده بسنجار في رجب سنة تسع وسبعين وأربعمائة، واستوطن مدينة مرو من خراسان وقدم إلى بغداد مع أخيه السلطان محمد، واجتمع معه بالخليفة المستظهر، فلما مات محمد، خوطب سنجر بالسلطان، واستقام أمره، وأطاعته السلاطين، وخطب له على أكثر منابر الإسلام بالسلطنة، نحو أربعين سنة، وكان قبلها يخاطب بالملك نحو عشرين سنة، ولم يزل أمره عالياً إلى أن أسره الغز، ولما خلص من أسرهم، وكاد أن يعود إليه ملكه، أدركه أجله. وكان مهيباً كريماً، وكانت البلاد في زمانه آمنة، ولما وصل خبر موته إلى بغداد، قطعت خطبته، ولما حضر سنجر الموت، استخلف على خراسان الملك محمود بن محمد بن بغراخان، وهو ابن أخت سنجر، فأقام خائفاً من الغز.
[ذكر غير ذلك من الحوادث:]
في هذه السنة، استولى أبو سعيد بن عبد المؤمن على غرناطة من الأندلس، وأخذها من الملثمين، وانقرضت دولة الملثمين ولم يبق لهم غير جزيرة ميورقة. ثم سار أبو سعيد في جزيرة الأندلس، وفتح المرية، وكانت بأيدي الفرنج مدة عشر سنين. وفيها ملك نور الدين بعلبك، وأخذها من إنسان كان قد استولى عليهما من أهل البضع يقال له ضحاك البقاعي، كان قد ولاه صاحب دمشق عليها، فلما ملك نور الدين دمشق، استولى ضحاك المذكور على بعلبك.
وفيها قلع المقتفي الخليفة باب الكعبة، وعمل عوضه باباً مصفحاً بالفضة المذهبة، وعمل لنفسه من الباب الأول تابوتاً يدفن فيه.
وفيها مات محمد بن عبد اللطيف بن محمد الخجندي، رئيس أصحاب الشافعي بأصفهان، وكان صدراً مقدماً عند السلاطين.