ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أياماً، فأغار عيينة بن حصين الفزاري على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بالغابة، فخرج رسول الله يوم الأربعاء، حتى وصل إلى ذي قرد، لأربع خلون من ربيع الأول، فاستنقذ بعضها، وعاد إلى المدينة، وكانت غيبته خمس ليال، وذو قرد موضع على ليلتين من المدينة على طريق خيبر.
[غزوة بني المصطلق]
وكانت في شعبان من هذه السنة، أعني سنة ست، وقيل سنة خمس، وكان قائد بني المصطلق الحارث بن أبي ضرار، ولقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ماء لهم يقال له المريسيع، واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق، فقتل وسبى وغنم الأموال ووقعت جويرة بنت قائدهم، الحارث بن أبي ضرار، في سهم ثابت بن قيس، فكاتبته على نفسها، فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها وتزوجها، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتق بتزوجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فكانت عظيمة البركة على قومها، وفي هذه الغزوة قتل رجل من الأنصار، رجلاً من المسلمين خطأ، يظنه كافراً، وكان المقتول من بني ليث بن بكر، واسمه هشام، وكان أخوه مقيس مشركاً، فلما بلغه قتل أخيه خطأ، قدم من مكة مظهراً الإسلام، وأنه يطلب دية أخيه، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم رجع إلى مكة مرتداً، وقال من أبيات لعنه الله:
حللت به وترى وأدركت ثورتي ... وكنت إلى الأوثان أول راجع
وهو ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم فتح مكة، وفي هذه الغزوة ازدحم جهجاه الغفاري، أجير عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسنان الجهني، حليف الأنصار، على الماء، وتقاتلا، فصرخ الغفاري يا معشر المهاجرين، وصرخ الجهني: يا معشر الأنصار، فغضب عبد الله بن أُبي بن أبي سلول المنافق، وعنده رهط من قومه، فيه زيد بن أرقم، فقال عبد الله المنافق: لقد فعلوها قد كاثرونا في بلادنا، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة، لنخرجن الأعز منها الأذل، ثم قال لمن حضر من قومه: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، ولو مسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا عنكم، فأخبر زيد بن أرقم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وعنده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال يا رسول الله: مر به عبد الله بن بشير فليقتله، فقالي النبي صلى الله عليه وسلم: كيف يتحدث الناس إذن أن محمداً يقتل أصحابه، ثم أمر بالرحيل، في وقت لم يكن ليرحل فيه، ليقطع ما الناس فيه، فلقيه أسيد بن حصين وقال: يا رسول الله، رحت في ساعة لم تكن لتروح فيها، فقال: أوما بلغك ما قاله عبد