بئر من آبارهم، وتلاحق الناس، وأتى قوم بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصل أحد العصر إلا ببني قريظة، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ذلك، وحاصر بني قريظة خمساً وعشرين ليلة، وقذف الله في قلوبهم الرعب، ولما اشتد بهم الحصار، نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا حلفاء الأوس، فسأل الأوس رسول الله صلى الله عليه وسلم في إطلاقهم، كما أطلق بني قينقاع، حلفاء الخزرج بسؤال عبد الله بن أبي بن أبي سلول المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا ترضون أن يحكم فيهم سعد بن معاذ وهو سيد الأوس "،. فقالوا: إلى، ظناً منهم أن يحكم بإطلاقهم، فأمر بإحضار سعد، وكان به جرح في أكحله من الخندق، فحملت الأوس سعداً على حمار قد وطأوا له عليه بوسادة، وكان رجلاً جسيماً، ثم أقبلوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون لسعد: يا أبا عمرو أحسن إلى مواليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم. والمهاجرون يقولون: إنما أراد صلى الله عليه وسلم الأنصار، والأنصار يقولون: قد عم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، فقاموا إليه وقالوا: يا أبا عمرو، إن رسول الله قد حكمك في مواليك. فقال سعد: أحكم فيهم، أن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري والنساء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة "، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وحبس بني قريظة في بعض دور الأنصار، وأمر فحفر لهم خنادق، ثم بعث بهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، وكانوا سبعمائة رجل يزيدون أو ينقصون عنها قليلاً. ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني قريظة فأخرج الخمس، واصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو، فكانت في ملكه حتى ماتت، ولما انقضى أمر بني قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ فمات، رضي الله عنه، وجميع من استشهد من المسلمين في حرب الخندق ستة نفر، منهم سعد بن معاذ، ما بعد حرب بني قريظة على ما وصفناه، وكان سعد بن معاذ لما جرح على الخندق، قد سأل الله تعالى أن لا يميته حتى يغزو بني قريظة، لغدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فاندمل جرحه حتى فرغ من غزو بني قريظة كما سأل الله تعالى، ثم انتقض جرحه ومات، رحمه الله تعالى، وفي حرب بني قريظة، لم يستشهد غير رجل واحد، وكانت غزوة بني قريظة في ذي القعدة، سنة خمس، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حتى خرجت السنة.
ثم دخلت سنة ستة فيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى إلى بني لحيان، طلباً بثأر أهل الرجيع فتحصنوا برؤوس الجبال، فنزل عسفان تخويفاً لأهل مكة، ثم رجع إلى المدينة.