وكان شديد البأس والعداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، فروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب، أو بأبي الحكم بن هشام " وهو أبو جهل، فهدى الله تعالى عمر، وكان قد أخذ سيفه وقصد قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه نعيم بن عبد الله النحام، فقال: ما تريد يا عمر: فأخبره، فقال له نعيم: لأن فعلت ذلك لن يتركك بنو عبد مناف تمشي على الأرض، ولكن اردع أختك وابن عمك سعيد بن زيد وخباب، فإِنهم قد أسلموا، فقصدهم عمر وهم يتلون سورة طه من صحيفة، فسمع شيئاً منها، فلما علموا به أخفوا الصحيفة وسكتوا، فسألهم عما سمعه فأنكروه، فضرب أخته فشجهما وقال: أريني ما كنتم تقرؤونه، وكان عمر قارئاً كاتباً، فخافت أخته على الصحيفة وقالت: تعدمها، فأعطاها العهد على أنَه يردها إِليها، فدفعتها إِليه وقال: ما أحسن هذا وأكرمه، فطمعت في إِسلامه، وكان خباب قد استخفى منه، فلما سمع ذلك خرج إِليه، فسألهم عمر عن موضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: هو بدار عند الصفا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك، وعنده قريب أربعين نفساً، ما بين رجال ونساء، منهم حمزة وأبو بكر الصديق وعلي ابن أبي طالب، فقصدهم عمر وهو متوشح بسيفه، فاستأذن في الدخول، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل نهض إِليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ بمجمع ردائه، وجبذه جبذة شديدة وقال:" ما جاء بك يا ابن الخطاب، أو ما تزال حتى تنزل بك القارعة " فقال عمر: يا رسول الله جئت لأؤمن بالله وبرسوله، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتم إِسلام عمر.
الهجرة الأولى
وهي هجرة المسلمين إِلى أرض الحبشة
ولما اشتد إِيذاء قريش لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمن ليس له عشيرة تحميه، في الهجرة إِلى أرض الحبشة، فأول من خرج اثنا عشر رجلاً، وأربع نسوة، منهم عثمان بن عفان ومعه زوجة رقيه بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والزبير بن العوام، وعثمان بن مظعون، وعبد الله بن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، وركبوا البحر وتوجهوا إِلى النجاشي، وأقاموا عنده، ثم خرج جعفر بن أبي طالب مهاجراً، وتتابع المسلمون أولاً فأولاً، فكان جميع من هاجر من المسلمين إِلى أرض الحبشة ثلاثة وثمانين رجلاً، وثماني عشرة نسوة سوى الصغار، ومن ولد بها، فأرسلت قريش في طلبهم عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، وأرسلوا معهما هدية من الأدم إِلى النجاشي، فوصلا وطلبا من النجاشي المهاجرين، فلم يجبهما النجاشي. وقال عمرو بن العاص: سلهم