نازل على حموص قليل مرض، ولم يكن صحبته طبيبه، فاقتصر على ما كنت أصفه له وأعالجه به، فشفاه الله تعالى وعاد إلى العافية، وأنعم علي وأحسن إلي على جاري عادته، وكانت خيمته المنصوبة على حموص، خيمة ظاهرها أحمر، قد عملها من أكسية مغربية، وداخلهما منقوش بالخام الرفيع المصبغ، وكانت الأمراء الذين لم ينازلوا حموص، وهم مقيمون في الوطاة، إذا عرض لهم ما يقتضى المشاورة، يطلعون إلى الجبل ويجتمعون في خيمة الملك المظفر، وبين يديه يتشاورون على ما فيه المصلحة، واستمر الحال على ذلك إلى أن فتح حموص وغيرها على ما سنذكره.
[ذكر فتح حموص وغيرها من قلاع بلاد الأرمن]
ولما كان فتوح ذلك متوقفاً على ملك دندين بن ليفون، احتجنا نذكر كيفية ملكه بلاد الأرمن، وتسليمه البلاد إلى المسلمين، فنقول: إنه تقدم في سنة أربع وستين وستمائة أسر ليفون بن هيتوم، لما دخلت العسكر صحبة الملك المنصور صاحب حماة، في أيام الملك الظاهر بيبرس البندقداري الصالحي، وتقدم كيفية خلاص ليفون، وما افتداه أبوه هيتوم به حتى عاد إلى أبيه صاحب سيس، ثم إن ليفون المذكور ملك بعد موت أبيه هيتوم، وبقي في الملك مدة، ثم مات ليفون المذكور، وخلف عدة من الأولاد الذكور، أكبرهم هيتوم، ثم تروس، ثم سنباط، ثم دندين، ثم أوشين.
فلما مات ليفون، ملك بعده ابنه الأكبر هيتوم بن ليفون بن هيتوم، وبقي في الملك مدة، فجمع أخوه سنباط جماعة ووثب على أخيه هيتوم المذكور، وقبض عليه وسمله، فعميت عين هيتوم الواحدة وسلمت له الأخرى، واستمر في الحبس. وكذلك قبض سنباط المذكور على أخيه تروس ثم قتله، وخلف تروس المذكور ولداً صغيراً، واستقر سنباط المذكور في الملك، واتفق دخول العساكر إلى بلاد سيس ومنازلة حموص في أيام مملكة سنباط، فضاقت على الأرمن البلاد بما رحبت، وهلكوا من كثرة ما قتل وغنم منهم المسلمون، فنسبوا ذلك إلى سوء تدبير سنباط وعدم مصانعته للمسلمين، فكرهوه واتفقوا على إقامة أخيه دندين بن ليفون في المملكة، والقبض على سنباط، واجتمع الأرمن على دندين، فأحس سنباط بذلك فهرب إلى جهة قسطنطينية، وتملك دندين، ويقال له كسيندين أيضاً.
فلما تملك دندين المذكور، أرسل إلى العساكر المقيمة في بلاد سيس على حموص وعلى غيرها، وبذل لهم الطاعة والإجابة إلى ما يرسم به سلطان الإسلام، وأنه نائب السلطان بهذه البلاد، فطلب منه العسكر أن يكون نهر جيحان حداً بين المسلمين والأرمن، وأن تسلم كل ما هو جنوبي نهر جيحان من الحصون والبلاد، فأجاب دندين المذكور، إلى ذلك، وسلم جميع البلاد التي جنوبي نهر جيحان المذكور إلى المسلمين، فمنها: حموص، وتل حمدون، وكويرا، والنفير،