ثم إن اللحياني أيس من البلاد، وهرب بأهله ومن تبعه، وقدم بهم إلى الديار المصرية في سنة تسع عشرة، وقصد الحج وتوجه مع الحجاج فمرض ورجع من أثناء الطريق. ثم إنه قصد الإقامة بالإسكندرية فسار إليها وأقام بها.
ثم دخلت سنة تسع عشرة وسبعمائة في هذه السنة في أواخر ربيع الآخر، هرب رميثة بن أبي نمي الذي كان صاحب مكة، وكان المذكور أفرج عنه وأكرم غاية الإكرام فسولت له نفسه الهروب إلى الحجاز، فهرب وأركب السلطان خلفه جماعة، وتبعوه وأمسكوه بالقرب من عقبة إيله، على طريق حاج مصر وأحضروه فاعتقل بقلعة الجبل.
[ذكر الوقعة العظيمة التي كانت بالأندلس]
وفي هذه السنة، اجتمعت الفرنج في جمع عظيم، واجتمعت فيه عدة من ملوكهم، وكان أكبرهم ملك قشتيلية، واسمه جوان، وقصد ابن الأحمر ملك غرناطة، فبذل له قطيعة، في كل يوم مائة دينار وفي كل أسبوع ألف دينار، فأبى الفرنج أن يقبلوا ذلك، فخرج المسلمون من غرناطة بعد أن تعاهدوا على الموت، واقتتلوا معهم، فأعطاهم الله النصر، وركبوا قفاء الفرنج يقتلون ويأسرون كيف شاؤوا، وقتل جوان المذكور وأسرت امرأته، وحصل للمسلمين من الغنائم ما يفوق الحصر، حتى قيل كان فيها مائة وأربعون قنطاراً من الذهب والفضة، وأما الأسرى فتفرق الحصر.
[ذكر مسيري إلى مصر ثم الحجاز الشريف]
وفي هذه السنة، حج السلطان من الديار المصرية، ولما قرب أوان الحج، أرسل جمال الدين عبد الله البريدي ورسم إلى أن أحضر إلى الأبواب الشريفة، فركبت خيل البريد وأخذت في صحبتي أربعة من مماليكي، وخرجت من حماة يوم الجمعة، سادس عشر شوال، الموافق، لسلخ تشرين الثاني، وسرت حتى وصلت إلى مصر من شوال الموافق الثامن كانون الأول، ونزلت بالقاهرة بدار القاضي كريم الدين، وأقمت حتى خرجت صحبة الركاب السلطاني.
[ذكر خروج السلطان وتوجهه إلى الحجاز]
وفي هذه السنة، في يوم السبت، ثاني ذي القعدة خرج السلطان إلى الدهليز المنصوب، وكان قد نصب له لرب العش، وخرج من قلعة الجبل بكرة السبت المذكور، وتصيد في طريقه الكراكي، وكنت بين يديه فتفرج على الصيد، وصاد عدة من الكراكي من السقاقر وغيرها، ونزل بالدهليز المنصوب وأقام به يتصيد في كل نهار ببلاد الحوف، ورحل من المنزلة المذكورة بكرة الخميس سابع ذي القعدة، الموافق لعشرين من كانون الأول، وسار على درب الحاج المصري على السويس وأبلة، وسرت في صدقاته حتى وصلنا رابغ