وهو خامس عشرهم، لما خلع المهتدي وقُتل، أخرج كبراء الدولة، أبا العباس أحمد بن المتوكل من الحبس، وبايعه الناس بالخلافة، ولقب المعتمد على الله، واستوزر عبيد الله بن يحيى بن خاقان.
وفي هذه السنة ملك صاحب الزنج الأبله عنوة. وقتل من أهلها خلقاً كثيراً وأحرقها، وكانت مبنية بالساج، فأسرعت النار فيها، ثم استولى على عبادان بالأمان ثم استولى على الأهواز بالسيف، وفيها عزل عيسى بن الشيخ عن الشام، وكان قد استولى عليه، وقطع الحمل عن بغداد، كما ذكرنا، فعقد لعيسى على أرمينية، وولى أماجور الشام، فسار واستولى عليه، بعد أن جرى بينه وبين أصحاب عيسى قتال شديد، انتصر فيه أماجور واستقر أميراً بالشام.
وفي هذه السنة توفي الإمام محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي صاحب المسند الصحيح، الذي هو الدرجة العالية في الصحة، المتفق على تفضيله والأخذ منه، والعمل به، ورحل في طلب الحديث إِلى الأمصار، وكان مولده سنة أربع وتسعين ومائة لثلاث عشرة خلت من شوال. قال البخاري: ألهِمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب، ابن عشر سنين، فلما بلغت ثماني عشرة سنة صنفت قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وصنفت كتاب التاريخ، إِذ ذاك، عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أخرجت الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث، وما أدخلت فيه إِلا ما صح.
وورد مرة إِلى بغداد، فعمد أهل الحديث إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، ووضعوا عشرة أنفس، فأورد واحد بعد آخر الأحاديث المذكورة، والبخاري يقول في كل حديث منها: لا أعرفه. فلما فرغوا قال: أما الحديث الأول فهو كذا، ورده إِلى حقيقته، وأما الثاني فهو كذا، حتى ذكرها عن آخرها على حقيقتها.
ووقع بين البخاري وأمير بخارى واسمه خالد وحشة، فدسّ خالد من قال إن البخاري يقول بخلق الأفعال للعباد، وبخلق القرآن فتبرأ البخاري من ذلك وأنكره، وعظم عليه فارتحل، ونزل عند بعض أقاربه، بقرية من قرى سمرقند على فرسخين منها، اسمها خرشك فمات بها ليلة عيد الفطر من هذه السنة.
ثم دخلت سنة سبع وخمسين ومائتين، فيها أخذ الزنج البصرة، وقتلوا بها كل من وجدوه، وخربوها. وفي هذه السنة ملك يعقوب الصفار بلخ، ثم سار إلى كابل، فاستولى عليها، وأرسل هدية إِلى الخليفة، وفيها أصنام من تلك البلاد. وفي هذه السنة قصد الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان جرجان وملكها وفيها قُتل محمد بن خفاجة أمير صقلية، قتله خدَمه كما تقدم ذكره سنة سبع وأربعين ومائتين، واستعمل محمد بن أحمد الأغلبي صاحب إِفريقية على صقلية أحمد بن يعقوب. وفيها توفي العباس بن الفرج الرياشي اللغوي.
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين ومائتين في هذه السنة أرسل المعتمد أخاه الموفق، أبا أحمد إِلى قتال الزنج.