ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومائتين في هذه السنة استولى يعقوب الصفار على نيسابور وملكها. وفيها توفي محمد بن موسى بن شاكر، أحد الأخوة الثلاثة الذين ينسب إِليهم جيل بني موسى المشهورين، واسم أخويه أحمد والحسين، وكان لهم همم عالية في تحصيل العلوم القديمة، وكان الغالب عليهم الهندسة والحيل والموسيقى، ولما بلغ المأمون من كتب الأوائل أن ثور الأرض أربعة وعشرون ألف ميل، أراد تحقيق ذلك، فأمر بني موسى المذكورين بتحرير ذلك، فسألوا عن الأراضي المتساوية، فأخبروا بصحراء سنجار ووطاة الكوفة، فأرسل معهم المأمون جماعة يثق إِلى أقوالهم، فساروا إِلى صحراء سنجار؛ وحققوا ارتفاع القطب الشمالي، وضربوا هناك وتداً، وربطوا فيه حبلاً طويلاً ومشوا إِلى الجهة الشمالية على الاستواء، من غير انحراف حسب الإمكان، وبقي كلما فرغ حبل نصبوا في الأرض وتداً آخر؛ وربطوا فيه حبلاً آخر كفعلهم الأول، حتى انتهوا كذلك إِلى موضع قد زاد فيه ارتفاع القطب الشمالي المذكور درجة محققة، ومسحوا ذلك القدر، فكان ستة وستين ميلاً، وثلثي ميل، ثم وقفوا عند موقفهم الأول، وربطوا في الوتد حبلا، ومشوا إِلى جهة الجنوب من غير انحراف، وفعلوا ما شرحناه، حتى انتهوا إِلى موضع قد انحط فيه ارتفاع القطب الشمالي درجة، ومسحوا ذلك القدر، فكان ستة وستين ميلا وثلثي ميل، ثم عادوا إِلى المأمون وأخبروه بذلك، فأراد المأمون تحقيق ذلك في موضع آخر، فصيرهم إِلى أرض الكوفة، فساروا إِليها وفعلوا كما فعلوا في أرض سنجار، فوافق الحسابان، وعادوا إِلى المأمون، فتحقق صحة ذلك، وصحة ما نقل من كتب الأوائل، لمطابقة ما اعتبره، ثم ضربوا الأميال المذكورة في ثلاثمائة وستين، وهي درج الفلك، فكان الحاصل أربعة وعشرين ألف ميل، وهو دور الأرض. أقول: كذا نقله ابن خلكان. ونقل غيره من المؤرخين أن الذي وجد في أيام المأمون لحصّة الدرجة ستة وستون ميلاً وثلثا ميل، وهو غير صحيح، فإِن ذلك هو لحصة الدرجة على رأي القدماء وأما في أيام المأمون فإنه وجد حصة الدرجة ستة وخمسين ميلاً، وقد تحقق ذلك في علم الهيئة.
ثم دخلت سنة ستين ومائتين فيها قتلت العرب منجور والي حمص، واستعمل عليها بكتمر. وفيها توفي مالك بن طوق الثعلبي بالرحبة، وهو الذي بناها والذي تنسب إِليه فيقال رحبة مالك. وفيها توفي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو المعروف بالعسكري، وهو أحد الأئمة الاثني عشر، على مذهب الإِمامية. وهو والد محمد المنتظر من سرداب سرمن رأى على زعمهم، وكان مولده سنة اثنتين وثلاثين ومائتين حسبما تقدم ذكره، في سنة أربع وخمسين ومائتين. وفيها توفي الحسن بن الصباح الزعفراني الفقيه، وهو من أصحاب الشافعي البغداديين. وفيها توفي حنين بن