ثم دخلت سنة أربع وسبعين وثلاثمائة في هذه السنة ولى أبو طريف عليان ابن ثمال الخفاجي حماية الكوفة وهي أول إِمارة بني ثمال. وفيها توفي أبو الفتح محمد بن الحسين الموصلي الحافظ المشهور. وفيها توفي بميافارقين الخطيب أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة، صاحب الخطب المشهورة، وكان إِماماً في علوم الأدب، ووقع الإجماع على أنه ما عمل مثل خطبه، وصار خطيباً بحلب مدة، وبها اجتمع بالمتنبي، ثم اجتمع بالمتنبي في خدمة سيف الدولة بن حمدان، وكان الخطيب المذكور رجلا صالحاً، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: مرحباً يا خطيب الخطباء، كيف تقول: كأنهم لم يكونوا للعيون قرة، ولم يعدوا في الأحياء مرة. قال الخطيب تتمة هذه الخطبة وهي المعروفة بخطبة المنام، وأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفل في فيه، فبقي الخطيب بعد هذه الرؤيا ثلاثة أيام لم يطعم طعاماً ولا يشتهيه، ويوجد من فيه مثل رائحة المسك. ولم يعش بعد ذلك إِلا أياماً يسيرة وكان مولده سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة.
ثم دخلت سنة خمس وسبعين وثلاثمائة وفي هذه السنة قصدت القرامطة الكوفة، مع نفرين من الستة الذي سموهم السادة، ففتحوها ونهبوها، فجهز صمصام الدولة بن عضد الدولة إِليهم جيشاً، فانهزمت القرامطة، وكثر القتل فيهم، وانحرفت هيبتهم، وقد حكى ابن الأثير في حوادث هذه السنة، والعهدة على الناقل، أنه خرج في هذه السنة بعُمان طائر من البحر كبير، أكبر من الفيل، ووقف على تل هناك وصاح بصوت عال، ولسنان فصيح، قد هرب، قالها ثلاث مرات، ثم غاص في البحر فعل ذلك، ثلاثة أيام ولم ير بعد ذلك.
ثم دخلت سنة ست وسبعين وثلاثمائة.
ملك شرف الدولة
[بن عضد الدولة العراق وقبضه على أخيه صمصام الدولة]
في هذه السنة سار شرف الدولة شيرزيك بن عضد الدولة، من الأهواز إلى واسط، فملكها، وأشار أصحاب صمصام الدولة عليه بالمسير إلى الموصل أو غيرها، فأبى صمصام الدولة، وركب بخواصه وحضر إِلى عند أخيه شرف الدولة مستأمناً، فلقيه شرف الدولة، وطيب قلبه فلما خرج من عنده، غدر به وقبض عليه، وسار شرف الدولة شيرزيك حتى دخل بغداد في رمضان، وأخوه صمصام الدولة معتقل معه، وكانت إِمارة صمصام الدولة ببغداد ثلاث سنين، ثم نقله إِلى فارس، فاعتقله في قلعة هناك.
غير ذلك من الحوادث في هذه السنة توفي المظفر الحاجب صاحب البطيحة، وولى بعده ابن أخته أبو الحسن علي بن نصر، بعهد من المظفر، ووصل إِليه التقليد من بغداد بالبطيحة، ولقب مهذب الدولة، فأحسن السيرة، وبذل الخير والإِحسان، وفيها توفي ببغداد أبو علي الحسن بن أحمد بن