لخمس بقين من ذي الحجة، من سنة خمس وثلاثين. ثم فارقه طلحة والزبير ولحقا بمكة، واتفقا مع عائشة رضي الله عنهم وكانت قد مضت إِلى الحج وعثمان محصور، وكانت عائشة تنكر على عثمان مع من ينكر عليه، وكانت تخرج قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعره وتقول: هذا قميصه وشعره لم يبل، وقد بلي دينه، لكنها لم تظن أن الأمر ينتهي إِلى ما انتهى إِليه.
وكان ابن عباس بمكة لما قتل عثمان، ثم قدم المدينة بعد البيعة لعلي فوجد علياً مسخلياً بالمغيرة بن شعبة، قال: فسألته عما قال له، فقال علي: أشار علي بإقرار معاوية وغيره من عمال عثمان إِلى أنْ يبايعوا ويستقر الأمر، فأبيت ثم أتاني الآن وقال: الرأي ما رأيته. فقال ابن عباس: نصحك في المرة الأولى وغشك في الثانية، وإني أخشى أن ينتقض عليك الشام، مع أني لا آمن طلحة والزبير أنْ يخرجا عليك، وأنا أشير عليك أن تقر معاوية، فإِن بايع لك، فعلي أن اقتلعه لك من منزله متى شئت. فقال علي والله لا أعطيه إِلا السيف، ثم تمثل:
وما ميتةٌ أن مِتُّها غير َعاجز ... بعار إذا ما غالتِ النفسُ غولُها
فقلت: يا أمير المؤمنين أنت رجل شجاع، ولست صاحب رأي. فقال علي: إِذا عصيتك فأطعني. فقال ابن عباس: أفعل، إِن أيسر مالك عندي الطاعة، وخرج المغيرة ولحق بمكة.
ثم دخلت سنة ست وثلاثين فيها أرسل علي إِلى البلاد عماله، فبعث إِلى الكوفة عمارة بن شهاب، وكان من المهاجرين، ووالى عثمان بن حنيف الأنصاري البصرة، وعبد الله بن عباس اليمن، وكان من المشهورين بالجود، وولى قيس ابن سعد بن عبادة الأنصاري مصر، وسهل بن حنيف الأنصاري الشام، فلما وصل تبوك، لقيته خيل، فقالوا من أنت: قال أمير على الشام. فقالوا إِن كان بعثك غير عثمان فارجع. قال: أو ما سمعتم بالذي كان قالوا: إلى. فرجع إِلى علي، ومضى قيس بن سعد إِلى مصر فوليها، واعتزلت عنه فرقة، كانوا عثمانية، وأبوا أن يدخلوا في طاعة علي، إِلا أن يقتل قاتل عثمان، ومضى عثمان بن حنيف إِلى البصرة فدخلها، واتبعته فرقة وخالفته فرقة، ومضى عمارة إِلى الكوفة فلقيه طلحة بن خويلد الأسدي، الذي كان ادعى النبوة في خلافة أبي بكر، فقال له: إِن هل الكوفة لا يستبدلون بأميرهم، فرجع إِلى علي وكان على الكوفة من قبل عثمان، أبو موسى الأشعري، ومضى عبد الله إِلى اليمن، وكان العامل بها من جهة عثمان، يعلى بن منبه، فوليها عبد الله وخرج يعلى، وأخذ ما كان حاصلاً من المال، ولحق بمكة وصار مع عائشة وطلحة والزبير، وسلم إِليهم المال.
[مسير عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة]
ولما بلغ عائشة قتل عثمان، أعظمت ذلك، ودعت إِلى الطلب بدمه، وساعدها على ذلك طلحة والزبير وعبد الله بن عمر، وجماعة من بني أمية، وجمعوا جمعاً عظيماً، واتفق رأيها على المضي إِلى البصرة للاستيلاء عليها، وقالوا معاوية بالشام، قد كفانا أمرها، وكان عبد