والزبير، فأتوا علياً وسألوه البيعة له، فقال: لا حاجة لي في أمركم، من اخترتم رضيت به، فقالوا: ما نختار غيرك، وترددوا إليه مراراً. وقالوا: إنا لا نعلم أحداً أحق بالأمر منك، ولا أقدمٍ منك سابقة ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أكون وزيراً خير من أنْ أكون أميراً. فأتوا عليه، فأتى المسجد، فبايعوه.
وقيل: بايعوه في بيته، وأول من بايعه طلحة بن عبد الله، وكانت يد طلحة مشلولة من نوبة أحد، فقال حبيب بن ذؤيب: إِنا لله، أول من بدأ بالبيعة يد شلاء، لا يتم هذا الأمر، وبايعه الزبير، وقال علي لهما: إنْ أحببتما أنْ تبايعا لي بايعا، وإن أحببتما بايعتكما فقالا: بل نبايعك، وقيل إِنهما قالا بعد ذلك: إنما بايعنا خشية على نفوسنا، ثم هربا إِلى مكة بعد مبايعة علي بأربعة أشهر، وجاءوا بسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، فقال له علي: بايع، فقال: لا، حتى يبايع الناس، والله ما عليك مني بأس فقال خلوا سبيله.
وكذلك تأخر عن البيعة عبد الله بن عمر، وبايعته الأنصار إِلا نفراً قليلاً، منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك، ومسلمة بن مخلد، وأبو سعيد الخدري، والنعمان ابن بشير، ومحمد بن مسلمة، وفضالة بن عبيد، وكعب بن عجرة وزيد بن ثابت وكان هؤلاء قد ولاهم عثمان على الصدقات وغيرها، وكذلك لم يبايع علياً سعيد بن زيد وعبد الله بن سلام،، صهيب بن سنان، وأسامة بن زيد، قدامة بن مطعون، والمغيرة بن شعبة،، سموا هؤلاء المعتزلة، لاعتزالهم بيعة علي.
وسار النعمان بن بشير إِلى الشام، ومعه ثوب عثمان الملطخ بالدم، فكان معاوية يعلق قميص عثمان على المنبر؛ ليحرض أهل الشام على قتال علي وأصحابه، وكلما رأى أهل الشام ذلك، ازدادوا غيظاً.
وقد روي في بيعة علي غير ذلك، فقيل: لما قتل عثمان، بقيصص المدينة خمسة أيام، والغافقي أمير المصريين ومن معه، يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر فلا يجدونه، ووجدوا طلحة في حائط له ووجدوا سعداً والزبير قد خرجا من المدينة، ووجدوا بني أمية قد هربوا، وأتى المصريون علياً فباعدهم، وكذلك أتى الكوفيون الزبير، والبصريون طلحة فباعداهم، وكانواٍ مع اجتماعهم على قتل عثمان، مختلفين فيمن يلي الخلافة، حتى غشى الناس علياً فقالوا: نبايعك، فقد ترى ما نزل بالإسلام، وما ابتلينا به، فامتنع علي، فألحوا عليه، فقال: قد أجبتكم، واعلموا أني إِنْ أجبتكم، ركبت بكم ما أعلم، وإن تركتموني، فإِنّما أنا كأحدكم. وافترق الناس على ذلك، وتشاوروا فيما بينهم، وقالوا: إن دخل طلحة والزبير فقد استَقامت البيعة، فبعث البصريون إِلى الزبير حكيم بن جبلة، ومعه نفر فجاءوا بالزبير كرهاً بالسيف، فبايع، وبعثوا إِلى طلحة الأشتر ومعه نفر، فأتوا بطلحة ولم يزالوا به حتى بايع، ولما أصبحوا يوم الجمعة، اجتمع الناس في المسجد، وصعد علي المنبر واستعفى من ذلك، فلم يعفوه، فبايعه أولاً طلحة، وقال: أنا أبايع مكرهاً، وكانت يد طلحة شلاء، فقيل هذا الأمر لا يتم، كما ذكرنا، وبايعه أهل المدينة من المهاجرين والأنصار، خلا من لم يبايع ممن ذكرنا. وكان ذلك يوم الجمعة،