فلما وصلوا إِلى الرجيع، وهو ماء لهذيل، على أربعة عشر ميلاً من عسفان، غدروا بهم، فقاتلهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل ثلاثة وأسر ثلاثة، وهم زيد بن الدثنة، وخبيب، وعبد الله بن طارق، فأخذوهم إِلى مكة، وانفلت عبد الله بن طارق في الطريق، فقاتل إِلى أن قتلوه بالحجارة، ووصلوا بزيد بن الدثنة، وخبيب إِلى مكة، وباعوهما من قريش فقتلوهما صبراً.
وفي صفر سنة أربع أيضاً قدم أبو برا عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسلم ولم يبعد من الإسلام، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: لو بعثت من أصحابك رجالاً إِلى أهل نجد يدعونهم، رجوت أن يستجيبوا لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أخاف على أصحابي " فقال أبو برا: أنا لهم جار. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، المنذر بن عمر الأنصاري في أربعين رجلا من خيار المسلمين، فيهم عامر بن فهير مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فمضوا ونزلوا بئر معونة على أربع مراحل من المدينة، وبعثوا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى عدو الله عامر بن الطفيل، فقتل الذي أحضر الكتاب، وجمع الجموع وقصد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقاتلوا وقُتلوا عن آخرهم، إِلا كعب بن زيد، فإنه بقي فيه رمق وتوارى بين القتلى، ثم لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم واستشهد يوم الخندق، وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري، ورجل من الأنصار، فرأيا الطيور تحوم حول العسكر فقصدا العسكر، فوجدا القوم مقتولين، فقاتل الأنصاري وقتل، وأما عمرو بن أمية فأخذا أسيراً، وأعتقه عامر ابن الطفيل لكونه من مضر، ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبره بالخبر فشق عليه.
[غزوة بني النضير من اليهود]
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إِليهم وحاصرهم، في ربيع الأول سنة أربع. ونزل تحريم الخمر، وهو محاصر لهم، فلما مضى ست ليال محاصراً لهم، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُخْليهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إِلا السلاح، فأجابهم إِلى ذلك، فخرجوا ومعهم الدفوف والمزامير، مظهرين بذلك تجلداً، وكانت أموالهم فيئاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يقسمها حيث شاء، فقسمها على المهاجرين دون الأنصار، إِلا أنّ سهل بن حنيفة وأبا دجانة ذكراً فقراً، فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك شيئاً، ومضى إِلى خيبر من بني النضير ناس، وإلى الشام ناس.
[غزوة ذات الرقاع]
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم نجداً، فلقي جمعاً من غطفان في ذات الرقاع، وسميت بذلك لأنهم رقعوا فيها راياتهم، فتقارب الناس، ولم يكن بينهم حرب، وكان ذلك في جمادى