وفي هذه السنة وقع الحرب بين صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ، وبين الملك الناصر صاحب حلب، فأرسل إليه الملك الناصر عسكراً، والتقوا مع المواصلة بظاهر نصيبين، فانهزمت المواصلة هزيمة قبيحة، واستولى الحلبيون على أثقال لؤلؤ صاحب الموصل وخيمه، وتسلم الحلبيون نصيبين وأخذوها من صاحب الموصل، ثم ساروا إلى دارا فنازلوها وتسلموها وخربوها بعد حصار ثلاثة أشهر، ثم تسلموا قرقيسيا وعادوا إلى حلب.
ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وستمائة.
ذكر هزيمة الفرنج وأسر ملكهم لما أقام الفرنج قبالة المسلمين بالمنصورة، فنيت أزوادهم وانقطع عنهم المدد من دمياط، فإن المسلمين قطعوا الطريق الواصل من دمياط إليهم، فلم يبق لهم صبراً على المقام، فرحلوا ليلة الأربعاء، لثلاث مضين من المحرم، متوجهين إلى دمياط، وركب المسلمون أكتافهم، ولما استقر صباح الأربعاء خالطهم المسلمون وبذلوا فيهم السيف، فلم يسلم منهم إلا القليل، وبلغت عدة القتلى من الفرنج ثلاثين ألفا على ما قيل، وانحاز ريد إفرنس ومن معه من الملوك إلى بلد هناك، وطلبوا الأمان، فأمنهم الطواشي محسن الصالحي، ثم احتيط عليهم وأحضروا إلى المنصورة، وقيد ريد إفرنس، وجعل في الدار التي كان ينزلها كاتب الإنشاء، فخر الدين بن لقمان، ووكل به الطواشي صبيح المعظمي، ولما جرى ذلك رحل، الملك المعظم بالعساكر من المنصورة ونزل بفار سكور، ونصب بها برج خشب للملك المعظم.
ذكر مقتل الملك المعظم وفي هذه السنة يوم الاثنين، لليلة بقيت من المحرم، قتل الملك المعظم توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب، وسبب ذلك: أن المذكور، أطرح جانب أمراء أبيه ومماليكه، وكل منهم بلغه عنه من التهديد والوعيد ما نفر قلبه منه، واعتمد على بطانته الذين وصلوا معه من حصن كيفا، وكانوا أطرافاً أراذل، فاجتمعت البحرية على قتله بعد نزوله بفارسكور، وهجموا عليه بالسيوف، وكان أول من ضربه ركن الدين بيبرس، الذي صار سلطاناً فيما بعد، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى، فهرب الملك المعظم منهم إلى البرج الخشب الذي نصب له بفارسكور على ما تقدم ذكره، فأطلقوا في البرج النار، فخرج الملك المعظم من البرج هارباً، طالباً البحر ليركب في حراقته، فحالوا بينه وبينها بالنشاب، فطرح نفسه في البحر، فأدركوه وأتموا قتله في نهار الإثنين المذكور، وكانت مدة إقامته في المملكة من حين وصوله إلى الديار المصرية، شهرين