للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن حرب وغيرهما ما ذكرنا، قال ذو الخويصرة من بني تميم للنبي صلى الله عليه وسلم: لم أرك عدلت، فغضب صلى الله عليه وسلم وقال: " ويحك إِذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون " فقال عمر: يا رسول الله ألا أقتله؟ قال: " لا، دعوه فإِنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرميّة " وهذه الرواية عن محمد بن إِسحاق.

وروى غيره أن ذا الخويصرة قال للنبي صلى الله عليه وسلم في وقت قسم الغنيمة المذكورة: لم تعدل، هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيخرج من ضئضئ هذا الرجل قوم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرميّة، لا يجاوز إِيمانهم تراقيهم ". فكان كما قاله صلى الله عليه وسلم، فإِنه خرج من ذي الخويصرة المذكور حرقوص بن زهير البجلي المعروف بذي الثدية، وهو أوّل من بويع من الخوارج بالإمامة، وأول مارق من الدين، وذو الخويصرة تسمية سماه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاد إِلى المدينة، واستخلف على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، وهو شاب لم يبلغ عشرين سنة، وترك معه معاذ بن جبل يفقه الناس، وحج بالناس في هذه السنة عتاب بن أسيد على ما كانت العرب تحج.

وفي ذي الحجة سنة ثمان، ولد إِبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية. وفيها أعني سنة ثمان مات حاتم الطائي، وهو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج من ولد طي بن أدد، وكان حاتم يكنى أبا سفانة وهو اسم ابنته، كني بها، وسفانة المذكورة أتت النبي صلى الله عليه وسلم بعد بعثته، وشكت إِليه حالها، وحاتم المذكور كان يضرب بجرده وكرمه المثل، وكان من الشعراء المجيدين. ثم دخلت سنة تسع والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وترادفت عليه وفود العرب فممن ورد عليه عروة بن مسعود الثقفي، وكان سيد ثقيف، وكان غائباً عن الطائف لما حاصرها النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم وحسن إِسلامه، وقال: يا رسول الله أمضي إِلى قومي بالطائف فأدعوهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنهم قاتلوك " فاختار المضي فمضى إلى الطائف ودعاهم إِلى الإسلام، فرماه أحدهم بسهم فوقع في أكحله فمات، رحمه الله تعالى، ووفد كعب بن زهير ابن أبي سلمى بعد أن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمه، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدته المشهورة وهي:

بانت سعادُ فقلبي اليوم متبول

وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم بردته، فاشتراها معاوية في خلافته من أهل كعب بأربعين ألف درهم، ثم توارثها الخلفاء الأمويون والعباسيون حتى أخذها التتر.

[غزوة تبوك]

وفي رجب من هذه السنة أعني سنة تسع، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتجهز لغزو الروم

وأعلم الناس مقصدهم لبعد الطريق وقوة العدو، وكان قبل ذلك إِذا أراد غزوة ورَّى بغيرها،

<<  <  ج: ص:  >  >>