وكان الحر شديداً والبلاد مجدبة والناس في عسرة، ولذلك سمي ذلك الجيش جيش العسرة، وكانت الثمار قد طابت، فأحب الناس المقام في ثمارهم، فتجهزوا على كره، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالنفقة، فأنفق أبو بكر جميع ماله، وأنفق عثمان نفقة عظيمة، قيل كانت ثلاثمائة بعير طعاماً. وألف دينار، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يضر عثمان ما صنع بعد اليوم، وتخلف عبد الله بن أبي المنافق، ومن تبعه من أهل النفاق، وتخلف ثلاثة من عين الأنصار، وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأرجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إِلا استثقالا له، فلما سمع ذلك علي أخذ سلاحه، ولحق النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قال المنافقون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " كذبوا، وإنما خلفتك لما ورائي فارجع فاخلفني في أهلي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إِلا أنه لا نبي بعدي. وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثون ألفاً فكانت الخيل عشرة آلاف فرس، ولقوا في الطريق شدة عظيمة من العطش والحر، ولما وصلوا إِلى الحجر وهي أرض ثمود، نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ورود ذلك الماء، وأمرهم إن يريقوا ما استقوه من مائه، وأن يطعموا العجين الذي عجن بذلك الماء الإبل، ووصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى تبوك وأقام بها عشرين ليلة، وقدم عليه بها يوحنا صاحب أيلة فصالحه على الجزية، فبلغت جزيتهم ثلاثمائة دينار، وصالح أهل أذرج على مائة دنيار في كل رجب، وأرسل خالد بن الوليد إِلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل، وكان نصرانياً من كندة، فأخذه خالد وقتل أخاه، وأخذ منه خالد قباء ديباج مخوصاً بالذهب، فأرسله إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل المسلمون يتعجبون منه، وقدم خالد بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وصالحه على الجزية وخلى سبيله، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى المدينة، فاعتذر إِليه الثلاثة الذي تخلفوا عنه، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامهم، وأمر باعتزالهم، فاعتزلهم الناس فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وبقوا كذلك خمسين ليلة، ثم أنزل الله تعالى توبتهم، فقال تعالى:" وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إِذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إِلا إِليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إِن الله هو التواب الرحيم "" التوبة: ٨١ " وكان قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، ولما دخلها قدم عليه وفد الطائف من ثقيف، ثم إِنهم أسلموا، وكان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم اللات التي كانوا يعبدونها، لا يهدمها إِلى ثلاث سنين، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فغزِلوا إلى شهر واحد فلم يجبهم، وسألوه أن يعفيهم من الصلاة فقال:" لا خير في دين لا صلاة فيه " فأجابوا وأسلموا، وأرسل معهم المغيرة بن شعبة، وأبا سفيان بن حرب، ليهدما اللات، فتقدم