للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا بصره قد شخص وهو يقول: " بل الرفيق الأعلى ". قالت: فلما قبض، وضعت رأسه على وسادة وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهي مع النساء، وكانت وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، فعلى هذه الرواية يكون يوم وفاته موافقاً ليوم مولده.

ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد أكثر العرب، إِلا أهل المدينة ومكة والطائف

فإِنه لم يدخلها ردة، وكان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، فاستخفى عتاب خوفاً على نفسه، فارتجت مكة، وكاد أهلها يرتدون، فقام سهيل بن عمرو على باب الكعبة وصاح بقريش وغيرهم، فاجتمعوا إِليه فقال: يا أهل مكة، كنتم آخر من أسلم، فلا تكونوا أول من ارتدّ، والله ليتمن الله هذا الأمر كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، فامتنع أهل مكة من الردة، وحكى القاضي شهاب الدين بن أبي الدم في تاريخه قال: فاقتحم جماعة على النبي صلى الله عليه وسلم ينظرون إِليه وقالوا: كيف يموت وهو شهيد علينا. لا والله ما مات بل رفع كما رفع عيسى، ونادوا على الباب لا تدفنوه؛ فإن رسول الله لم يمت؛ فتربصوا به حتى خرج عمه العباس وقال: والله الذي لا إِله إِلاَ هو لقد ذاق رسول الله الموت. وقيل دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء ثاني يوم موته، وقيل ليلة الأربعاء وهو الأصح، وقيل بقي ثلاثاً لم يدفن، وكان الذي تولى غسله علي بن أبي طالب والعباس والفضل وقثم ابنا العباس وأسامة بن زيد وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم، فكان العباس وابناه يقلبونه وأسامة بن زيد وشقران يصبان الماء وعلي يغسله وعليه قميصه وهو يقول بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، ولم ير منه ما يرى من ميت، وكفن صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب، ثوبين صحاريين وبرد حبرة درج فيها أدراجاً، وصلوا عليه ودفن تحت فراشه الذي مات عليه، وحفر له أبو طلحة الأنصاري ونزل في قبره علي بن أبي طالب والفضل وقثم أبناء العباس.

عمره واختلف في مدة عمره، فالمشهور أنه ثلاث وستون سنة، وقيل خمس وستون سنة، وقيل ستون سنة، والمختار أنه بعث لأربعين سنة، وأقام بمكة يدعو إِلى الإسلام ثلاث عشرة سنة وكسراً، وأقام بالمدينة بعد الهجرة قريب عشر سنين، فذلك ثلاث وستون سنة وكسور، وقد مضى ذكره وتحقيقه عند ذكر الهجرة.

صفته وصفه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل ولا بالقصير، ضخم الرأس، كثّ اللحية، شثن الكفين والقدمين، ضخم الكراديس، مشرباً وجهه حمرة، وقيل كان أدعج العين، سبط الشعر، سهل الخدين، كأن عنقه إِبريق فضة، وقال أنس: لم يشنه الله بالشيب، وكان في مقدم لحيته عشرون شعرة بيضاء، وفي مفرق رأسه شعرات بيض، وروي أنه كان يخضب بالحناء والكتم، وكان بين كتفيه خاتم النبوة، وهو بضعة ناشزة حولها شعر مثل بيضة الحمامة تشبه جسده وقيل كان لونه أحمر، قال القاضي شهاب الدين بن أبي الدم في تاريخه المظفري وكان أبو رثمة طبيباً في الجاهلية فقال: يا رسول الله إِني أداوي فدعني أطب ما بكتفك فقال: يداريها الذي خلقها.

خلقه كان صلى الله عليه وسلم أرجح الناس عقلاً وأفضلهم رأياً، يكثر الذكر ويقل اللغو دائم البشر، مطيل الصمت لين الجنب، سهل الخلق، وكان عنده القريب والبعيد، والقوي والضعيف، في الحق سواء، وكان يحب المساكين ولا يحقر فقيراً لفقره، ولا يهاب ملكاً لملكه، وكان يؤلف قلوب أهل الشرف، وكان يؤلف أصحابه ولا ينفرهم، ويصابر من جالسه ولا يحيد عنه، حتى يكون الرجل هو المنصرف، وما صافحه أحد فيترك يده حتى يكون ذلك الرجل هو الذي يترك يده، وكذلك من قاومه لحاجة، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى يكون الرجل هو المنصرف، وكان يتفقد أصحابه، يسأل الناس عما في الناس، وكان يحب العنز، ويجلس على الأرض، وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويلبس المخصوف، والمرقوع، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير، وكان يأتي على آل محمد الشهر والشهران لا يوقد في بيت من بيوته نار، وكان قوتهم التمر والماء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعصب على بطنه الحجر من الجوع.

أولاده

وكل أولاده عليه السلام من خديجة، إِلا إِبراهيم فإِنه من ماريّة، وولد إبراهيم في سنة ثمان من الهجرة في ذي الحجة، وتوفي سنة عشر من الأشراف للمسعودي قال: عاش إِبراهيم سنة وعشرة أشهر، وأولاده الذكور من خديجة القاسم وبه كان يكنى، والطيب والطاهر وعبد الله ماتوا صغاراً، والإِناث أربع، فاطمة زوج علي رضي الله عنهما وزينب زوج أبي العاص، وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما بالإسلام، ثم ردها إِلى أبي العاص بالنكاح الأول لما أسلم، ورقية وأم كلثوم تزوج بهما عثمان واحدة بعد أخرى.

زوجاته وتزوج صلى الله عليه وسلم خمس عشرة امرأة، دخل بثلاث عشرة، وجمع بين إِحدى عشرة، وقيل أنه دخل بإِحدى عشرة، ولم يدخل بأربع، وتوفي عن تسع غير مارية القبطية سريته، والتسع هن عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، سودة بنت زمعة، وزينب بنت جحش، وميمونةِ، وصفية، وجويرية، وأم حبيبة، وأم سلمة رضي الله عنهن.

كتّابه وكان

<<  <  ج: ص:  >  >>