للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بن سفيان أمير صقلية، وولى بعده ابنه محمد، وفيها توفي محمد بن كرام صاحب المقالة في التشبيه، وكان موته بالشام، وهو من سجستان، وفيها توفي عبد الله بن عبد الرحمن الداراني صاحب المسند، توفي في ذي الحجة، وعمره خمس وسبعون سنة. وفيها توفي أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، صاحب التصانيف المشهورة، وكان كثير الهزل، نادر النادرة، خالط الخلفاء ونادمهم، أخذ العلم عن النظام المتكلم، وكان الجاحظ قد تعلق بأسباب ابن الزيات، فلما قتل ابن الزيات، قيد الجاحظ وسجن، ثم أُطلق. قال الجاحظ: ذُكرت للمتوكل لتعليم ولده، فلما مثلت بين يديه بسامراء، استبشع منظري، فأمر لي بعشرة آلاف درهم وصرفني. وصنف الجاحظ كتباً كثيرة منها: كتاب البيان والتبيين، جمع فيه بين المنثور والمنظوم، وكتاب الحيوان، وكتاب الغلمان، وكتاب في الفرق الإسلامية، وكان جاحظ العينين كاسمه، قال المبرد: دخلت على الجاحظ في مرضه فقلت: كيف أنت؟ فقال: كيف يكون من نصفه مفلوج؟ لو نشر ما أحس به ونصفه الآخر منقرسٌ، لو طار الذباب به آلمه، وقد جاوز التسعين، ثم أنشد:

أترجو أن تكون وأنت شيخ ... كما قد كنت أيام الشبابِ

لقد كذبتكَ نفسكَ ليسَ ثوبٌ ... دريسٌ كالجديد من الثيابِ

وقد روي أن موته كان بوقوع مجلدات عليه، وكان من عادته أن يصفها قائمة كالحائط، محيطة به، وهو جالس إِليها، وكان عليلاً فسقطت عليه فقتلته، في محرم هذه السنة.

ثم دخلت سنة ست وخمسين ومائتين في هذه السنة، جمع موسى بن بغا أصحابه لقتل صالح بن وصيف، فهرب صالح واختفى، ثم ظفر به موسى فقتله.

خلع المهتدي وموته في هذه السنة، في منتصف رجب، خُلع محمد المهتدي بن هارون الواثق بن المعتصم، وتوفي لاثنتي عشرة ليلة بقيت منه، وكان سببه أنه قصد قتل موسى بن بغا، وكان موسى المذكور معسكراً قبالة بعض الخوارج، وكتب بذلك إِلى بابكيال، - كان من مقدمي الترك - أن يقتل موسى بن بغا، ويصير موضعه، فأطلعَ بابكيال موسى على ذلك، فاتفقا على قتل المهتدي، وسارا إِلى سامراء، ودخل بابكيال إلى المهتدي، فحبسه المهتدي وقتله، وركب لقتال موسى، ففارقت الأتراك الذي كانوا مع المهتدي عسكر المهتدي، وصاروا مع أصحابهم الأتراك مع موسى، فضعف المهتدي وهرب، ودخل بعض الدور، فأُمسك وداسوا خصيتيه، ليصفعوه، فمات، ودفن بمقبرة المنتصر. وكانت خلافة المهتدي أحد عشر شهراً ونصفاً، وكان عمره ثمانياً وثلاثين سنة، وكان المهتدي أسمر عظيم البطن، قصيراٌ طويل اللحية، ومولده بالقاطول وكان ورعاً كثير العبادة، قصد أن يكون في بني العباس مثل عمر بن عبد العزيز في بني أمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>