ليكونوا قبالة الفرنج بظاهر دمياط، ولما وصلت الفرنج، عبر فخر الدكن ابن الشيخ من البر الغربي إلى البر الشرقي، ووصل الفرنج إلى البر الغربي لتسع بقين من صفر هذه السنة، ولما جرى ذلك هربت بنو كنانة وأهل دمياط منها، وأخلوا دمياط وتركوا أبوابها مفتحة، فتملكها الفرنج بغير قتال، واستولوا على ما بها من الذخائر والسلاحات، وكان هذا من أعظم المصائب، وعظم ذلك على الملك الصالح، وأمر بشنق بني كنانة، فشنقوا عن آخرهم. ووصل الملك الصالح إلى المنصورة، ونزل بها يوم الثلاثاء لخمس بقين من صفر هذه السنة، وقد اشتد مرضه، وهو السل والقرحة، التي كانت به، وقد أيس منه.
ذكر استيلاء الملك الصالح أيوب على الكرك
وفي هذه السنة سار الملك الناصر داود ابن الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، من الكرك إلى حلب، لما ضاقت عليه الأمور، مستجيراً بالملك الناصر صاحب حلب، وكان قد بقي عند الناصر داود من الجوهر مقدار كثير، قال: كان يساوى مائة ألف دينار، إذا بيع بالهوان، فلما وصل إلى حلب، سير الجوهر المذكور إلى بغداد وأودعه عند الخليفة المستعصم، ووصل إليه خط الخليفة بتسليمه، فلم تقع عينه عليه بعد ذلك، ولما سار الناصر داود عن الكرك، استناب عليها ابنه عيسى ولقبه الملك المعظم، وكان له ولدان آخران، أكبر من عيسى المذكور، هما الأمجد حسن، والظاهر شاذي، فغضب الأخوان المذكوران من تقديم أخيهما عيسى عليهما، وبعد سفر أبيهما قبضا على أخيهما عيسى، وتوجه الأمجد حسن إلى الملك الصالح أيوب وهو مريض، على المنصورة، وبذل له تسليم الكرك، على إقطاع له ولأخيه بديار مصر، فأحسن إليه الصالح أيوب وأعطاهما إقطاعاً أرضاهما، وأرسل إلى الكرك وتسلمها يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة من هذه السنة، وفرح الملك الصالح بالكرك فرحاً عظيماً، مع ما هو فيه من المرض، لما كان في خاطره من صاحبها.
ذكر وفاة الملك الصالح أيوب وفي هذه السنة توفي الملك الصالح نجم الدين أيوب، ابن الملك الكامل محمد، ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، في ليلة الأحد لأربع عشرة ليلة مضت من شعبان هذه السنة، أعني سنة سبع وأربعين وستمائة، وكانت مدة مملكته للديار المصرية تسع سنين وثمانية أشهر وعشرين يوماً، وكان عمره نحو أربع وأربعين سنة، وكان مهيباً عالي الهمة، عفيفاً طاهر اللسان والذيل، شديد الوقار، كثير الصمت، وجمع من المماليك الترك ما لم يجتمع لغيره من أهل بيته، حتى كان أكثر أمراء عسكره مماليكه، ورتب جماعة من المماليك الترك حول دهليزه، وسماهم البحرية، وكان لا يجسر أن يخاطبه أحد إلا جواباً، ولا يتكلم أحد بحضرته، ابتداء،