ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وأربعمائة ذكر وفاة بركيارق في هذه السنة ثاني ربيع الآخر توفي السلطان بركيارق بن ملكشماه بن ألب أرسلان بن داود ابن ميكائيل بن سلجوق، وكان مرضه السل والبواسير، وكان بأصفهان، فسار طالباً بغداد، فقوي به المرض في بروجرد، فجمع العسكر وحلفهم لولده ملكشاه وعمره حينئذ أربع سنين وثمانية أشهر، وجعل الأمير أياز أتابكه فحلف العسكر له، وأمرهم بالمسير إلى بغداد وتوفي بركيارق ببروجرد ونقل إلى أصفهان فدفن بها في تربة عملتها له سريته، ثم ماتت عن قريب فدفنت بإزإئه. وكان عمر بركيارق خمساً وعشرين سنة، وكانت مدة وقوع السلطنة عليه اثنتي عشرة سنة وأربعة أشهر، وقاسى من الحروب واختلاف الأمور عليه ما لم يقاسه أحد، واختلفت به الأحوال بين رخاء وشدة، وملك وزواله، وأشرف عدة مرات على ذهاب مهجته في الأمور التي تقلبت به، ولما استقام أمره وأطاعه المخالفون أدركته منيته، واتفق أنه كلما خطب له ببغداد وقع فيها الغلاء وقاسى من طمع أمرائه فيه شدائد، حتى إنهم كانوا يحضرون نوابه ليقتلوهم، وكان صابراً حليماً كريماً حسن المداراة كثير التجاوز، ولما مات بركيارق سار أياز بالعسكر ومعه ملكشاه بن بركيارق، ودخلوا بغداد سابع عشر ربيع الآخر من هذه السنة وخطب لملكشاه بجوامع بغداد على قاعدة أبيه بركيارق.
ذكر قدوم السلطان محمد إلى بغداد لما بلغ محمداً موت أخيه بركيارق، سار إلى بغداد ونزل بالجانب الغربي وبقي أياز وملكشاه بالجانب الشرقي، وجمع أياز العسكر لقتال محمد، ثم إن وزير أياز أشار عليه بالصلح ومشى بينهما، واتفق الصلح، وحضر الكيا الهراس مدرس النظامية والفقهاء وحلفوا محمد الأياز وللأمراء الذين معه، وحضر أياز والأمراء إلى عند محمد وأحضروا ملكشاه، فأكرمه وأكرمهم وصارت السلطنة لمحمد، وكان ذلك لسبع بقين من جمادى الأولى من هذه السنة، واستمر الأمر على ذلك إلى ثامن جمادى الآخرة فعمل أياز دعوة عظيمة للسلطان محمد في داره ببغداد، فحضر إليه وقدم له أياز أموالاً عظيمة، وفي ثالث عشر جمادى الآخرة طلب السلطان أيازاً وأوقف له في الدهليز جماعة، فلما دخل ضربوه بسيوفهم حتى قتلوه، وكان عمر أياز قد جاوز أربعين سنة، وهو من جملة مماليك السلطان ملكشاه، وكان غزير المروة شجاعاً، وأمسك الصفي وزير أياز وقتل في رمضان وعمره ست وثلاثون، سنة وكان من بيت رئاسة بهمذان.