صلاح الدين الأكبر، بالإسكندرية، وكان له معها أكثر بلاد اليمن، ونوابه هناك يحملون إليه الأموال من زبيد وعدن وغيرهما، وكان أجود الناس وأسخاهم كفاً، يخرج كل ما يحمل إليه من أموال اليمن، ودخل الإسكندرية، ومع هذا، فلما مات، كان عليه نحو مائتي ألف دينار مصرية، ديناً عليه، فوفّاها أخوه صلاح الدين عنه، لما وصل إلى مصر، ووصل السلطان صلاح الدين إلى مصر في هذه السنة، في شعبان، واستخلف بالشام ابن أخيه عز الدين فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب صاحب بعلبك.
ثم دخلت سنة سبع وسبعين وخمسمائة في هذه السنة، عزم البرنس صاحب الكرك، على المسير إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، للاستيلاء على تلك النواحي الشريفة، وسمع ذلك عز الدين فرخشاه، نائب عمه السلطان صلاح الدين بدمشق، فجمع وقصد بلاد الكرك، وأغار عليها وأقام في مقابلة البرنس، ففرق البرنس جموعه، وانقطع عزمه عن الحركة. وفيها وقع بين نواب توران شاه باليمن بعد موته اختلاف، فخشي السلطان صلاح الدين على اليمن، فجهز إليه عسكراً مع جماعة من أمرائه، فوصلوا إلى اليمن واستولوا عليه، وكان نواب توران شاه على عدن، عز الدين عثمان بن الزنجيلي، وعلى زبيد، حطان بن كامل بن منقذ الكناني، من بيت صاحب شيزر.
ذكر وفاة الملك الصالح صاحب حلب في هذه السنة في رجب، توفي الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود بن زنكي بن أقسنقر، صاحب حلب، وعمره نحو تسع عشرة سنة، ولما اشتد به مرض القولنج، وصف له الأطباء الخمر فمات ولم يستعمله، وكان حليماً عفيف اليد والفرج واللسان، ملازماً لأمور الدين، لا يعرف له شيء مما يتعاطاه الشباب، ووصى بملك حلب إلى ابن عمه عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي، صاحب الموصل، فلما مات سار مسعود ومجاهد الدين قيماز من الموصل إلى حلب، واستقر في ملكها. ولما استقر مسعود بن مودود في ملك حلب، كاتبه أخوه عماد الدين زنكي بن مودود، صاحب سنجار، في أن يعطيه حلب ويأخذ منه سنجار، فأشار قيماز بذلك، فلم يمكن مسعود إلا موافقته، فأجاب إلى ذلك، فسار عماد الدين إلى حلب وتسلمها، وسلّم سنجار إلى أخيه مسعود، وعاد مسعود إلى الموصل.
وفي هذه السنة في شعبان توفي أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد النحوي، المعروف بابن الأنباري، ببغداد، وله تصانيف حسنة في النحو، وكان فقيها.
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وخمسمائة.
ذكر مسير السلطان صلاح الدين إلى الشام في هذه السنة خامس المحرم، سار السلطان صلاح الدين عن مصر إلى الشام، ومن عجيب الإتفاق، أنه لما برز من القاهرة، وخرجت أعيان الناس لوداعه، أخذ كل منهم يقول شيئاً