في الوداع وفراقه، وفي الحاضرين معلم لبعض أولاد السلطان، فأخرج رأسه من بين الحاضرين وأنشد:
تمتع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشية من عرار
فتطير صلاح الدين وانقبض بعد انبساطه، وتنكد المجلس على الحاضرين، فلم يعد صلاح الدين بعدها إلى مصر مع طول المدة، وسار السلطان صلاح الدين وأغار في طريقه على بلاد الفرنج، وغنم، ووصل إلى دمشق في حادي عشر صفر من هذه السنة، ولما سار السلطان إلى الشام، اجتمعت الفرنج قرب الكرك، ليكونوا على طريقه، فانتهز فرخشاه ابن أخي السلطان صلاح الدين ونائبه بدمشق الفرصة، وسار إلى الشقيف بعساكر الشام، وفتحه، وغار على ما يجاوره من بلاد الفرنج، وأرسل إلى السلطان وبشره بذلك.
ذكر إرسال سيف الإسلام إلى اليمن في هذه السنة سير السلطان أخاه سيف الإسلام طغتكين إلى بلاد اليمن ليملكهما، ويقطع الفتن منها، وكان بها حطان بن منقذ الكناني، وعز الدين عثمان الزنجيلي، وقد عادا إلى ولايتهما، فإن الأمير الذي كان سيره السلطان نائباً إلى اليمن، تولى وعزلهما، ثم توفي، فعادت بين حطان وعثمان الفتن قائمة، فوصل سيف الإسلام إلى زبيد، فتحصن حطان في بعض القلاع، فلم يزل سيف الإسلام يتلطف به حتى نزل إليه، فأحسن صحبته، ثم إن حطان طلب دستوراً ليسير إلى الشام، فلم يجبه إلا بعد جهد، فجهز حطان أثقاله قدامه ودخل حطان ليودع سيف الإسلام، فقبض عليه وأرسل واسترجع أثقاله، وأخذ جميع أمواله، وكان في جملة ما أخذه سيف الإسلام من حطان، سبعين غلاف زردية مملوءة ذهباً عيناً، ثم سجن حطان في بعض قلاع اليمن، فكان آخر العهد به، وأما عثمان الزنجيلي فإنه لما جرى لحطان ذلك، خاف وسار نحو الشام، وسيّر أمواله في البحر، فصادفهم مراكب أصحاب سيف الإسلام، فأخذوا كل ما لعثمان الزنجيلي، وصفت بلاد اليمن لسيف الإسلام.
ذكر غارات السلطان الملك صلاح الدين وما استولى عليه من البلاد في هذه السنة سار السلطان صلاح الدين من دمشق، في ربيع الأول، ونزل قرب طبرية، وشن الإغارة على بلاد الفرنج، مثل بانياس وجينين والغور، فغنم وقتل وعاد إلى دمشق، ثم سار عنها إلى بيروت وحصرها، وأغار على بلادها، ثم عاد إلى دمشق، ثم سار من دمشق إلى البلاد الجزرية، وعبر الفرات من البيرة، فصار معه مظفر الدين كوكبوركي بن زين الدين علي بن بكتكين، وكان حينئذ صاحب حران، وكاتب السلطان صلاح الدين ملوك تلك الأطراف واستمالهم، فأجابه نور الدين محمد بن قرا أرسلان صاحب حصن كيفا، وصار معه، ونازل السلطان الرها وحاصرها وملكها، وسلمها إلى مظفر الدين