فحاصره التتر وضايقوا ميافارقين مضايقة شديدة، وصبر أهل ميافارقين مع الكامل محمد المذكور على الجوع الشديد، ودام ذلك حتى كان منه ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وفيها اشتد الوباء بالشام، خصوصاً بدمشق، حتى لم يوجد مغسل للموتى.
وفيها أرسل الملك الناصر يوسف صاحب دمشق، ولده الملك العزيز محمد، وصحبته زين الدين محمد، المعروف بالحافظي، وهو من أهل قرية عقربا من بلد دمشق، بتحف وتقادم إلى هولاكو ملك التتر، وصانعه لعلمه بعجزه عن ملتقى التتر.
وفيها توفي الصاحب بهاء الدين زهير بن محمد بن علي بن يحيى المهلبي، كاتب إنشاء الملك الصالح أيوب، ومولد البهاء زهير بوادي نخلة من مكة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وفي آخر عمره انكشف حاله وباع موجوده، وكتبه، وأقام في ببيته في القاهرة حتى أدركته وفاته، بسبب الوباء العام، في يوم الأحد رابع ذي القعدة من هذه السنة، أعني سنة ست وخمسين وستمائة، ودفن بالقرافة الصغرى، وكان كريم الطباع غزير المروءة فاضلاً، حسن النظم، وشعره مشهور كثير، فمن شعره وهو وزن مخترع لبس بخرجة العروض، أبيات ومنها:
يا من لعبت به شمول ... ما ألطف هذه الشمائل
مولاي يحق لي بأني ... عن حبك في الهوى أقاتل
ها عبدك واقفاً ذليلاً ... بالباب يمد كف سائل
من وصلك بالقليل يرضى ... والطل من الحبيب وابل
وفي هذه السنة توفي بمصر الشيخ ركن الدين عبد العظيم شيخ دار الحديث، وكان من أئمة الحديث المشهورين.
وفيها توفي الشيخ شمس الدين يوسف، سبط جمال الدين ابن الجوزي، كان من الوعاظ الفضلاء، ألف تاريخاً جامعاً سماه مرآة الزمان، وفيها توفي سيف الدين علي بن سابق الدين قزل، المعروف بابن المشد وكان أميراً مقدماً في دولة الملك الناصر يوسف صاحب الشام، وله شعر حسن، منه:
باكر كؤوس المدام واشرب ... واستجل وجه الحبيب واطرب
ولا تخف للهموم داء ... فهي دواء له مجرب
من يد ساق له رضاب ... كشهد لكن جناه أعذب
وفيها كان بين البحرية بعد هزيمتهم من المصريين، وبين عسكر الملك الناصر يوسف صاحب دمشق، ومقدمهم الأمير مجير الدين بن أبي زكري، مصاف بظاهر غزة، انهزم فيه عسكر الناصر يوسف وأسر مجير الدين المذكور، وقوي أمر حرية بعد هذه الكسرة، وأكثروا العبث والفساد.
ثم دخلت سنة سبع وخمسين وستمائة فيها سار عز الدين كيكاؤوس، وركن الدين قليج أرسلان، ابنا كيخسرو بن كيقباذ، إلى خدمة