للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانصرف إِلى سعد بن معاذ، وبعث به إِلى مصعب وأسعد، فلما أقبل قال أسعد لمصعب: جاءك والله سيد من ورائه، فلما وقف عليهما سعد بن معاذ تهدد أسعد وقال: لولا قرابتك مني ما صبرت على أن تغشانا في دارنا بما نكره، فقال له مصعب: أو ما تسمع، فإِن رضيت أمراً قبلته، وإلا عزلنا عنك ما تكره، فقال: أنصفت. فعرض مصعب عليه الإسلام، وقرأ عليه القرآنَ. قال فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم. ثم قال: كيف تصنعون إِذا أنتم أسلمتم؟ فعرفاه ذلك فأسلم وانصرف إِلى النادي، حتى وقف عليه ومعه أسيد بن حصين، فلما رآه قومه مقبلاً، قالوا نحلف بالله لقد رجع سعد بغير الوجه الذي ذهب به، فقال: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا سيدنا وأفضلنا. قال: فإِن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام، حتى تؤمنوا بالله ورسوله، فما أمسى في دار بني عبد الأشهل أحد حتى أسلم، ونزل سعد بن معاذ ومصعب في دار أسعد بن زرارة يدعون الناس إِلى الإسلام، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إِلا وبّها مسلمون، إِلا ما كان من دار بني أمية بن زيد.

بيعة العقبة الثانية

وكانت في سنة ثلاث عشرة من المبعث، وذلك أن مصعب بن عمير عاد إِلى مكة ومعه من الذين أسلموا ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، بعضهم من الأوس وبعضهم من الخزرج، مع كفار من قومهم، وهم مستخفون من الكفار، فلما وصلوا إِلى مكة وأعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجتمعوا به ليلاً في أوسط أيام التشريق بالعقبة وجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس وهو مشرك، إِلا أنه أحب أن يتوثق منهم لابن أخيه، فقال العباس: يا معشر الخزرج؛ إِن محمداً منا حيث علمتم، وقد منعناه من قومنا وهو في عز ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إِلا الانحياز إِليكم واللحوق بكم، فإن كنتم تقفون عند ما دعوتموه إِليه؛ وتمنعونه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك. وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه فمن الآن فدعوه. فقالوا: قد سمعنا العباس، فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت. فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا القرآن ثم قال: " أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأولادكم ". ودار الكلام بينهم؛ واستوثق كل فريق من الآخر، ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إِن قتلنا دونك ما لنا؟ قال: الجنة. قالوا: فابسط يدك، فبسط يده وبايعوه، ثم انصرفوا راجعين إِلى المدينة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إِلى المدينة، فخرجوا أرسالاً، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>