وفيها فتح المسلمون الأهواز، وكان قد استولى عليها الهرمزان، وكان من عظماء الفرس، ثم فتحوا رام هرمز، وتستر وتحصن الهرمزان في القلعة، وحاصروه، فطلب الصلح على حكم عمر، فأنزل على ذلك، وأرسلوا به إِلى عمر ومعه وفد، منهم أنس بن مالك، والأحنف بن قيس، فلما وصلوا به إِلى المدينة، ألبسوه كسوته من الديباج المذهب، ووضعوا على رأسه تاجه وهو مكلل بالياقوت، ليراه عمر والمسلمون، فطلبوا عمر فلم يجدوه، فسألوا عنه، فقيل جالس في المسجد، فأتوه وهو نائم فجلسوا دونه، فقال الهرمزان: أين هو عمر: قالوا: هوذا. قال: فأين حرسه وحجابه، قالوا ليس له حارس ولا حاجب، واستيقظ عمر على جلبة الناس، فنظر إِلى الهرمزان وقال: الحمد لله الذي أذل بالإسلام هذا وأشباهه وأمر بنزع ما عليه، فنزعوه وألبسوه ثوباً ضيقاً، فقال له عمر: كيف رأيت عاقبة الغدر، وعاقبة أمر الله، فقال الهرمزان: نحن وإياكم في الجاهلية لما خلى الله بيننا وبينكم غلبناكم، ولما كان الله الآن معكم غلبتمونا.
ودار بينهما الكلام، وطلب الهرمزان ماء فأتي به، فقال: أخاف أن تقتلني ولنا أشرب، فقال عمر: لا بأس عليك حتى تشرب، فرمى بالإناء فانكسر، فقصد عمر قتله، فقالت الصحابة: إِنك أمنته بقولك لا بأس عليك إِلى أن تشرب، ولم يشرب ذلك الماء، وآخر الأمر أنّ الهرمزان أسلم وفرض له عمر ألفين.
ثم دخلت سنة ثماني عشرة فيها حصل في المدينة والحجاز قحط عظيم، فكتب عمر إِلى سائر الأمصار يستعينهم، فكان ممن قدم عليه، أبو عبيدة من الشام، بأربعة آلاف راحلة من الزاد، وقسم عمر ذلك على المسلمين، حتى رخص الطعام بالمدينة، ولما اشتد القحط، خرج عمر ومعه العباس وجمع الناس واستسقى مستشفعاً بالعباس، فما رجع الناس حتى تداركت السحب وأمطروا، وأقبل الناس يتمسحون بأذيال العباس رضي الله عنه.
وفي هذه السنة أعني سنة ثمان عشرة، كان طاعون عم الناس بالشام، مات به أبو عبيدة بن الجراح، واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، واستخلف أبو عبيدة على الناس معاذ بن جبل الأنصاري، فمات أيضاً بالطاعون، واستخلف عمرو بن العاص، ومات من الناس في هذا الطاعون خمسة وعشرون ألف نفس، فطال مكثه شهراً، وطمع العدو في المسلمين، وأصاب بالبصرة مثله.
وفي هذه السنة سار عمر إِلى الشام فقسم مواريث الذين ماتوا ثم رجع إِلى المدينة في ذي القعدة.
ثم دخلت سنة تسع عشرة وسنة عشرين فيها فتحت مصر والإسكندرية على يد عمرو بن العاص والزبير بن العوام، فنازلا عين شمس، وهي بقرب المطرية، وكان لها جمعهم، ففتحاها، وبعث عمرو بن العاص أبرهة بن الصباح إلى الفرماء، وضرب عمرو فسطاطه موضع جامع عمرو بمصر الآن واختطت مصر، وبني موضع الفسطاط الجامع المعروف