ثم دخلت سنة ست وعشرين فيها عزل عثمان عمرو بن العاص عن مصر وولاها عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري، وكان أخا عثمان من الرضاعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهدر دم عبد الله بن سعد المذكور يوم الفتح، وشفع فيه عثمان، حتى أطلقه رسول اللَه صلى الله عليه وسلم.
وفي أيام عثمان فتحت إِفريقية، وكان المتولي لذلك عبد الله بن سعد بن أبي سرح المذكور، وبعث بالخمس إِلى عثمان، فاشتراه مروان بن الحكم بخمس مائة ألف دينار، فوضعها عنه عثمان، وهذا من الأمور التي أنكرت عليه، ولما فتحت إِفريقية، أمر عثمان عبد الله نافع بن الحصين أن يسير إِلى جهة الأندلس، فغزى تلك الجهة، وعاد عبد الله بن نافع إِلى إِفريقية، فأقام بها من جهة عثمان، ورجع عبد الله ابن سعد إِلى مصر.
ثم دخلت سنة سبع وعشرين وسنة ثمان وعشرين فيها استأذن معاوية عثمان في غزو البحر، فأذن له، فسير معاوية إِلى قبرس جيشاً وسار إِليها أيضاً عبد الله ابن سعد من مصر، فاجتمعوا عليها وقاتلوا أهلها، ثم صولحوا على جزية سبعة آلاف دينار في كل سنة، وكان هذا الصلح بعد قتل وسبي كثير من أهل قبرس.
ثم دخلت سنة تسع وعشرين فيها عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة، وولاها ابن خاله عبد الله بن عامر بن كريز، ثم عزل الوليد بن عقبة من الكوفة، بسبب أنه شرب الخمر وصلى بالمسلمين الفجر أربع ركعات وهو سكران، ثم التفت إِلى الناس وقال: هل أزيدكم؟ فقال ابن مسعود: مازلنا معك في زيادة منذ اليوم، وفي ذلك يقول الحطيئة:
شهدا الحطيئة يوم يلقى ربه ... أن الوليد أحق بالعذر
نادى وقد فرغت صلاتهم ... أأزيدكم سكراً وما يدري
فأبوا أبا وهب ولو أذنوا ... لقرنت بين الشفع والوتر
ثم دخلت سنة ثلاثين فيها بلغ عثمان ما وقع في أمر القرآن من أهل العراق، فإنهم يقولون: قرآننا أصح من قرآن أهل الشام، لأننا قرأنا على أبي موسى الأشعري، وأهل الشام: يقولون قرآننا أصح لأنّا قرأنا على المقداد بن الأسود، وكذلك غيرهم من الأمصار فأجمع رأيه ورأي الصحابة، على أن يحمل الناس على المصحف الذي كتب في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وكان مودعاً عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وتحرق ما سواه من المصاحف التي بأيدي الناس، ففعل ذلك ونسخ من ذلك المصحف مصاحف، وحمل كلاً منها إِلى مصر من الأمصار، وكان الذي تولى نسخ المصاحف العثمانية بأمر عثمان، زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي.
وقال عثمان: إِن اختلفتم في كلمة فاكتبوها بلسان قريش، فإِنما نزل القرآن