ابنه: كفرْ عن يمينك، فعتق غلامه مكحولاً وقاتل، ووقع القتال وعائشة راكبة الجمل المسمى عسكر في هودج، وقد صار كالقنفذ من النشاب، وتمت الهزيمة على أصحاب عائشة وطلحة والزبير، ورمى مروان بن الحكم طلحة بسهم فقتلة، وكلاهما كانا مع عائشة، قيل إنه طلب بذلك أخذ ثأر عثمان منه، لأنه نسبه إِلى أنه أعان على قتل عثمان، وانهزم الزبير طالباً المدينة، وقطعت على خطام الجمل أيد كثيرة، وقتل أيضاً بين الفريقين خلق كثير، ولما كثر القتل على خطام الجمل، قال علي: اعقروا الجمل فضربه رجل فسقط، فبقيت عائشة في هودجها إِلى الليل، وأدخلها محمد بن أبي بكر أخوها إِلى البصرة، وأنزلها في دار عبد الله بن خلف، وطاف علي على القتلى من أصحاب الجمل وصلى عليهم ودفنهم. ولما رأى طلحة قتيلاً قال: إنا لله وإنا إِليه راجعون، والله لقد كنت أكره أن أرى قريشاً صرعى، أنت والله كما قال الشاعر:
فتى كان يدنيه الغنى من صديقه ... إِذا ما هو استغنى ويبعده الفقر
وصلى عليه، ولم ينقل عنه أنه صلى على قتلى الشام بصفين، ولما انصرف الزبير من وقعة الجمل طالباً المدينة، مر بماء لبني تميم وبه الأحنف بن قيس، فقيل للأحنف وكان معتزلاً القتال: هذا الزبير قد أقبل، فقال: قد جمع بين هذين العارين، يعني العسكرين وتركهم وأقبل، وفي مجلسه عمرو بن جرموز المجاشعي، فلما سمع كلامه قام من مجلسه واتبع الزبير؛ حتى وجده بوادي السباع نائماً، فقتله؛ ثم أقبل برأسه إِلى علي بن أبي طالب. فقال علي: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بشروا قاتل الزبير بالنار ". قال عمرو بن جرموز المذكور لعنه الله:
أتيت علياً برأس الزبير ... وقد كنت أحسبها زلفة
فبشر بالنار قبل العيان ... فبئس البشارة والتحفه
وسيان عندي قتل الزبير ... وضَرطة عير بذي الجحفة
ثم أمر علي عائشة بالرجوع إِلى المدينة، وأن تقر في بيتها، فسارت مستهل رجب من هذه السنة، وشيعها الناس، وجهزها علي بما احتاجت إليه، وسير معها أولاده مسيرة يوم، وتوجهت إِلى مكة، فأقامت للحج تلك السنة، ثم رجعت إِلى المدينة.
وقيل كانت عدة القتلى يوم الجمل من الفريقين، عشرة آلاف، واستعمل علي على البصرة عبد الله بن العباس، وسار على الكوفة فنزلها، وانتظم له الأمر بالعراق ومصر واليمن والحرمين وفارس وخراسان، ولم يبق خارج عنه إِلا الشام، وفيه معاوية وأهل الشام مطيعون له، فأرسل إِليه علي جريرَ بن عبد الله البجلي، ليأخذ البيعة على معاوية، ويطلب منه الدخول فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار.
فسار جرير إِلى معاوية، فماطله معاوية، وكان عمرو بن العاص بفلسطين، حتى قدم عمرو إِلى معاوية، فوجد أهل الشام يحضون على الطلب بدم عثمان، فقال لهم عمرو: أنتم على الحق، واتفق عمرو ومعاوية على قتال علي، وشرط عمرو، على معاوية إِذا ظفر، أن يوليه مصر،