عليه شروطاً وقال إِن أجبت إليها فأنا سامع مطيع، فأجاب معاوية إِليها، وكان الذي طلبه الحسن أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة، وخراج دارا بجرد من فارس، وأن لا يسب علياً، فلم يجبه إلى الكف عن سبّ علي، فطلب الحسن أن لا يشتم علياً، وهو يسمع، فأجابه إِلى ذلكَ، ثم لم يف له به، وقيل إِنه وصله بأربعمائة ألف درهم، ولم يصل إِليه شيء من خراج دارا بجرد، ودخل معاوية الكوفة، فبايعه الناس، وكتب الحسن إِلى قيس بن سعد، يأمره بالدخول في طاعة معاوية، ثم جرت بين قيس وعبيد الله بن عباس، وبين معاوية، مراسلات، وآخر الأمر أنهما بايعا ومن معهما، وشرطا أن لا يطالبا بمال ولا دم، ووفى لهما معاوية بذلك، ولحق الحسن بالمدينة وأهل بيته، وقيل كان تسليم حسن الأمر إِلى معاوية في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين، وقيل في ربيع الآخر، وقيل في جمادى الأولى، وعلى هذا فتكون خلافته على القول الأول، خمسة أشهر ونحو نصف شهر، وعلى الثاني ستة أشهر وكسراً، وعلى الثالث سبعة أشهر وكسراً.
روى سفينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم يعود ملكاً عضوضاً ". وكان آخر الثلاثين يوم خلع الحسن نفسه من الخلافة، وأقام الحسن بالمدينة إِلى أن توفي بها في ربيع الأول، سنة تسع وأربعين، وكان مولده بالمدينة سنة ثلاث من الهجرة، وهو أكبر من الحسين بسنة، وتزوج الحسن كثيراً من النساء، وكان مطلاقاً، وكان له خمسة عشر ولداً ذكراً، وثماني بنات، وكان يشبه جده رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأسه إلى سرته، وكان الحسين يشبه جده رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرته إِلى قدمه.
وتوفي الحسن من سم سقته زوجته جعدة بنت الأشعث، قيل فعلت ذلك بأمر معاوية، وقيل بأمر يزيد بن معاوية، ووعدها أنه يتزوجها إِن فعلت ذلك، فسقته السم وطالبت يزيد أن يتزوجها فأبى.
وكان الحسن قد أوصى أن يدفن عند جده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما توفي أرادوا ذلك، وكان على المدينة مروان بن الحكم من قبل معاوية، فمنع من ذلك، وكاد يقع بين بني أمية وبين بني هاشم بسبب ذلك فتنة، فقالت عائشة رضي الله عنها: البيت بيتي ولا آذن أن يدفن فيه، فدفن بالبقيع، ولما بلغ معاوية موت الحسن خر ساجداً. فقال بعض الشعراء:
أصبح اليوم ابن هند شامتاً ... ظاهر النخوة إِذ مات الحسن
يا ابن هند إِن تذق كأس الردى ... تكُ في الدهر كشيء لم يكن
لست بالباقي فلا تشمت به ... كل حي للمنايا مرتهن
ومن فضائل الحسن في الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم:" الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما "، وروى أنه قال عن الحسن:" إِن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين "، وروي أنه مر بالحسن والحسين وهما يلعبان، فطأطأ لهما عنقه وحملهما، وقال:" نعم المطية مطيتهما، ونعم الراكبان هما ".