إِن الناس يكفونك، قتفرق الناس عن مسلم، ولم يبق مع مسلم غير ثلاثين رجلاً، فانهزم واستتر، ونادى منادي عبيد الله ابن زياد، من أتى بمسلم بن عقيل فله ديته، فأمسك مسلم وأُحضر إِليه، ولما حضر مسلم بين يدي عبيد الله، شتمه وشتم الحسين وعلياً، وضرب عنقه في تلك الساعة، ورميت جيفته من القصر، ثم أحضر هانئ بن عروة، وكان ممن أخذ البيعة للحسين، فضرب عنقه أيضاً، وبعث برأسيهما إِلى يزيد بن معاوية، وكان مقتل مسلم بن عقيل، لثمان مضين من ذي الحجة، سنة ستين.
وأخذ الحسين وهو بمكة في التوجه إِلى العراق، وكان عبد الله بن عباس يكره ذهاب الحسين إلى العراق، خوفاً عليه، وقال للحسين: يا ابن العم، إِني أخاف عليك أهل العراق، فإِنهم قوم أهل غدر، وأقم بهذا البلد، فإِنك سيد أهل الحجاز، وإن أبيت إِلا أن تخرج، فسر إِلى اليمن، فإِن بها شيعة لأبيك، وبها حصون وشعاب.
فقال الحسين: يا ابن العم، إِني أعلم والله أنك ناصح مشفق، ولقد أزمعت وأجمعت، ثم خرج ابن عباس من عنده، وخرج الحسين من مكة يوم التروية، سنة ستين، واجتمع عليه جمائع من العرب، ثم لما بلغه مقتل ابن عمه مسلم بن عقيل وتخاذل الناس عنه، وأعلم الحسين من معه بذلك وقال: من أحب أن ينصرف فلينصرف، فتفرق الناس عنه يميناً وشمالاً، ولما وصل الحسين إِلى مكان يقال له سراف، وصل إِليه الحر، صاحب شرطة عبد الله بن زياد في ألفي فارس، حتى وقفوا مقابل الحسين، في حرّ الظهيرة، فقال لهم الحسين: ما أتيت إلا يكتبكم، فإن رجعتم رجعت من هنا، فقال له صاحب شرطة ابن زياد: إِنا أُمرنا أن لا نفارقك. حتى نوصلك الكوفة بين يدي عبيد الله بن زياد، فقال الحسين: الموت أهون من ذلك، وما زالوا عليه حتى سار مع صاحب شرطة ابن زياد.
ثم دخلت سنة إِحدى وستين.
مقتل الحسين ولما سار الحسين مع الحر، ورد كتاب من عبيد الله بن زياد إِلى الحر، يأمره أن يُنزل الحسين ومن معه على غير ماء، فأنزلهم في الموضع المعروف بكربلاء، وذلك يوم الخميس، ثاني المحرم من هذه السنة، أعني سنة إِحدى وستين.
ولما كان من الغد، قدم من الكوفة عمر بن سعد بن أبي وقاص بأربعة آلاف فارس، أرسله ابن زياد لحرب الحسين، فسأله الحسين في أن يُمكَّن إما من العود من حيثُ أتى، وإمّا أن يجهّز إِلى يزيد بن معاوية، وإما أن يُمكّن أن يلحق بالثغور.
فكتب عمر إِلى ابن زياد يسأل أن يجاب الحسين إِلى أحد هذه الأمور، فاغتاط ابن زياد فقال: لا ولا كرامة، فأرسل مع شمّر بن ذي الجوشن، إِلى عمر بن سعد إما أن تقاتل الحسين وتقتله، وتطأ الخيل جثته، وإِمّا أن تعتزل، ويكون الأمير على الجيش شمر. فقال عمر بن سعد بل أقاتله، ونهض عشية الخميس، تاسع المحرم هذه السنة، والحسين جالس أمام بيته بعد صلاة العصر، فلما قرب الجيش منه، سألهم مع أخيه العباس، أن يمهلوه إلى الغد، وأنه