إلى البيت المقدس، ثم إِلى الرقة، وعاد إِلى هاشمية الكوفة، وفيها أمر المنصور بعمارة مدينة المصيصة، وبنى بها مسجداً جامعاً، وأسكنها ألف جندي، وسماها المعمورة. ثم دخلت سنة إحدى وأربعين ومائة في هذه السنة، كان خروج الراوندية على المنصور، وهم قوم من أهل خراسان، على مذهب أبي مسلم الخراساني يقولون بالتناسخ، فيزعمون أن روح آدم في عثمان بن نهيك، وأن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم، هو الخليفة أبو جعفر المنصور، فلما ظهروا وأتوا إِلى قصر المنصور، قالوا: هذا قصر ربنا، فحبس المنصور رؤساءهم، وهم مائتان، فغضب أصحابهم، وأخذوا نعشاً وحملوه ومشوا به على أنهم ماشون في جنازة، حتى بلغوا باب السجن، فرموا بالنعش، وكسروا باب السجن، وأخرجوا رؤساءهم، ثم قصدوا المنصور وهم نحو ستمائة رجل، فتنادى الناس، وأغلقت أبواب المدينة وخرج المنصور ماشياً، واجتمع عليه الناس، وكان معن بن زائدة مستخفياً من المنصور، فحضر وقاتل الراوندية بين يدي المنصور، فعفا عن معن لذلك وقتل في ذلك اليوم الراوندية عن آخرهم.
ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين ومائة فيها مات عم المنصور سليمان بن علي. ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين ومائة، ودخلت سنة أربع وأربعين ومائة في هذه السنة، حبس المنصور من بني الحسن بن علي بن أبي طالب أحد عشر رجلا وقيدهم، وفيها مات عبد الله بن شبرمة وعمرو بن عبيد المعتزلي الزاهد، وعقيل بن خالد صاحب الزهري.
ثم دخلت سنة خمس وأربعين ومائة فيها ظهر محمد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، واستولى على المدينة، وتبعه أهلها، فأرسل المنصور ابن أخيه عيسى بن موسى إِليه، فوصل إِلى المدينة، وخندق محمد ابن عبد الله على نفسه، موضع خندق رسول الله صلى الله عليه وسلم للأحزاب، وجرى بينهما قتال، آخره أن محمد بن عبد الله المذكور، فتل هو وجماعة من أهل بيته وأصحابه، وانهزم من سلم من أصحابه، وكان محمد المذكور، سميناً أسمر شجاعاً، كثير الصوم والصلاة، وكان يلقب المهدي، والنفس الزكية، ولما قتل محمد، أقام عيسى بن موسى بالمدينة أياماً، ثم سار عنها في أواخر رمضان يريد مكة معتمراً.
بناء بغداد وفي هذه السنة، ابتدأ المنصور في بناء مدينة بغداد، وسبب ذلك: أن المنصور كره سكنى الهاشمية التي ابتناها أخوه بنواحي الكوفة، لما ثارت عليه الراوندية فيها، وكرهها أيضاً لجوار أهل الكوفة، فإنه كان لا يأمنهم على نفسه، فخرج يرتاد له موضعاً يسكنه، فاختار موضع بغداد، وابتدأ في عملها سنة خمس وأربعين ومائة.
ظهور إبراهيم العلوي في هذه السنة أيضاً، في رمضان، ظهر إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن