ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين ومائة: فيها ماتت الخيزران أم الرشيد، وفيها حج الرشيد وأحرم من بغداد.
ثم دخلت سنة أربع وسبعين ومائة، وسنة خمس وسبعين ومائة: فيها صار يحيي بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب إلى الديلم. فتحرك هناك، وفيها ولد إِدريس بن إِدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وإدريس بن عبد الله المذكور، هو الذي سلم وانهزم لما قتل أهل بيته يوم التروية بظاهر مكة، حسب ما ذكرناه في سنة تسع وستين ومائة، وكان قد توفي أبوه إِدريس الأول وله جارية حبلى، ولم يكن له ولد، فولدت الجارية بعد موته في ربيع الآخر من هذه السنة ولداً ذكراً، فسموه إِدريس أيضاً باسم أبيه، فبقي حتى كبر واستقل بالملك.
دخلت سنة ست وسبعين ومائة: فيها ظهر أمر يحيى بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب بالديلم، واشتدت شوكته، ثم إِن الرشيد جهز إِليه الفضل بن يحيى في جيش كثيف، فكاتبه الفضل وبذل له الأمان وما يختاره، فأجاب يحيى بن عبد الله إِلى ذلك وطلب يمين الرشيد، وأن يكون بخطه ويشهد فيه الأكابر، ففعل ذلك، وحضر يحيى بن عبد الله إِلى بغداد، فأكرمه الرشيد وأعطاه مالا كثيراً، ثم أمسكه وحبسه حتى مات في الحبس.
وفي هذه السنة هاجت الفتنة بدمشق بين المضرية واليمنية، وكان على دمشق حينئذ عبد الصمد بن علي، فجمع الرؤساء وسعوا في الصلح بينهم، فأتوا بني القين وكلموهم في الصلح فأجابوا، وأتوا اليمانية وكلموهم في الصلح، فقالوا: انصرفوا عنا حتى ننظر، ثم سارت اليمانية إِلى بني القين، وقتلوا منهم نحو ستمائة، فاستنجدت بنو القين، قضاعة وسليحا، فلم ينجدوهم، فاستنجدوا قيساً فأجابوهم وساروا معهم إِلى العواليك من أرض البلقاء فقتلوا من اليمانية ثمانمائة، وكثر القتال بينهم، ثم عزل الرشيد عبد الصمد عن دمشق وولاها إِبراهيم بن صالح بن علي، ودام القتال بين المذكورين نحو سنتين وكان سبب الفتنة بين اليمانيين والمضريين، أن رجلا من القين أتى رحى بالبلقاء ليطحن فيه، فمر بحائط رجل من لخم أو جذام، وفيه بطيخ فتناول منه فشتمه صاحبه وتضاربا، واجتمع قوم من اليمانيين وضربوا الذي من القين، فأعانه جماعة من مضر، فقتل رجل من اليمانيين فكان ذلك سبب الفتنة.
وفيها مات الفرج بن فضالة وصالح بن بشر القاري، وكان ضعيفاً في الحديث.
وفيها مات نعيم بن مسيرة النحوي الكوفي.
ثم دخلت سنة سبع وسبعين ومائة: في هذه السنة أعني سنة سبع وسبعين ومائة، توفي بالكوفة أبو عبد الله شريك بن عبد الله بن أبي شريك، تولى القضاء أيام المهدي، ثم عزله الهادي، وكان عالماً عادلاً في قضائه كثير الصواب حاضر الجواب، ذكر معاوية بن أبي سفيان عنده، ووصف بالحلم فقال شريك: ليس بحليم من سفّه الحق، وقاتل علي بن أبي طالب، وكان مولده ببخارى سنة خمس وتسعين للهجرة.