للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواثق موضعه ابنه طاهر بن عبد الله. وفي هذه السنة خرجت المجوس في أقاصي بلاد الأندلس، في البحر، إِلى بلاد المسلمين، وجرى بينهم وبين المسلمين بالأندلس عدة وقائع، انهزم فيها المسلمون، وساروا يقتلون المسلمين، حتى دخلوا حاضر إِشبيلية، ووافاهم عسكر عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس، ثم اجتمع عليهم المسلمون من كل جهة، فهزموا المجوس، وأخذوا لهم أربعة مراكب، بما فيها، وهربت المجوس في مراكبهم إِلى بلادهم.

وفي هذه السنة مات أشناس التركي بعد عبد الله بن طاهر بتسعة أيام.

ثم دخلت سنة إِحدى وثلاثين ومائتين، فيها مات مخارق المغني وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي الفقيه، صاحب الشافعي، وكان قد حبس في محنة الناس بالقرآن المجيد، فلم يجب إِلى القول بأنه مخلوق، وكان البويطي من الصالحين، وهو منسوب إِلى بويط، قرية من قرى مصر. وفيها توفي محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي الكوفي، صاحب اللغة، وكان أبوه زياد عبداً سندياً أخذ الأدب عن المفضل الضبي صاحب المفضليات، ولابن الأعرابي المذكور عدة مصنفات منها: كتاب النوادر وكتاب الأنواء وكتاب تاريخ القبائل وغير ذلك، وولد في الليلة التي توفي فيها أبو حنيفة، سنة خمسين ومائة، والأعرابي منسوب إِلى الأعراب، يقال رجل أعرابي إِذا كان بدوياً، وإن لم يكن من العرب، ورجل عربي منسوب إِلى العرب، وإن لم يكن بدوياً، ويقال رجل أعجم وأعجمي إِذا كان في لسانه عجمة، وإن كان من العرب، ورجل عجمي منسوب إِلى العجم، وإن كان فصيحاً، هكذا ذكر محمد بن عزيز السجستاني، في كتابه الذي فسر فيه غريب القرآن.

ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائتين موت الواثق بالله وتوفي الواثق بالله أبو جعفر هارون بن المعتصم بالله، في هذه السنة، لست بقين من ذي الحجة بالاستسقاء وعولج بالإِقعاد في تنور مسخن، ووجد عليه خفة، فعاوده وشدد سخونته، وقعد فيه أكثر من اليوم الأول، فحمي عليه، وأخرج منه في محفة، فمات فيها، ودفن بالهاروني، ولما اشتد مرض الواثق، أحضر المنجمين، فنظروا في مولده، فقدروا له أنه يعيش خمسين سنة مستأنفة، من ذلك اليوم، فلم يعش بعد قولهم إِلا عشرة أيام، وكان أبيض مشرّباً حمرة، في عينه اليسرى نكتة بياض، وكانت خلافته، خمس سنين وتسعة أشهر وكسراً، وعمره اثنتان وثلاثون سنة وكان الواثق يبالغ في إِكرام العلويين والإِحسان إِليهم، وفرق في الحرمين أموالا عظيمة، حتى أنه لم يبق بالحرمين في أيام الواثق سائل، ولما بلغ أهل المدينة موته، كانت تخرج نساؤهم إِلى البقيع كل ليلة، ويندبن الواثق، لفرط إِحسانه إِليهم، وسلك الواثق مذهب أبيه المعتصم، وعمه المأمون في امتحان الناس بالقرآن المجيد، وألزمهم القول بخلق القرآن، وأن الله لا يُرى في الآخرة بالأبصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>